الحرب وتأثيرها على المهاجر اليمني
تأثر اليمنيون بشكل واضح بالحرب اليمنية الدائرة منذ 8 سنوات على مستويين؛ الأول على كثافة أعداد المهاجرين والثاني استقرارهم في بلدان المهجر

*صلاح الدين الحميدي
يعيش المواطن اليمني ويلات الحرب وما جلبته من مجاعة وأمراض وتجهيل لثمان سنوات متواصلة، ما أدى إلى أكبر موجة هجرة في تاريخ اليمن الحديث مقارنة بهجرة انهيار سد مأرب التاريخية. كما تسبب طول الحرب في اليمن إلى إبتعاد الكثير من اليمنيين عن أرضهم بشكل “مؤقت”، لكنه قد يتحول مع مرور السنين وعدم استقرار اليمن إلى “دائم”.
يعاني المهاجر اليمني اليوم في حالة من الانفصال الدائم عن أرض الوطن، خاصة في ظل الحرب المستعرة منذ العام 2014 وحتى اللحظة، وهذا ما دفع مجموعة كبيرة من اليمنيين في الخارج إلى إعادة التفكير في ترتيب أوضاعهم في بلدان المهجر بشكل يسمح لهم بالاستقرار الدائم. كما بدأ العديد منهم بالانخراط ولأول مرة في الأحزاب السياسية والمشاركة في الانتخابات في بعض تلك الدول، وهذا يُعد مؤشراً ملموساً على تغير قناعات المهاجر اليمني بشأن العودة إلى اليمن.
الحرب والهجرة
عقب اندلاع الحرب في 2015 واتساع رقعة المناطق المتأثرة بها، سواء المناطق التي دمرها الحوثيون أو المناطق المتضررة من قصف الطيران التابع للتحالف العربي، اتجه الكثير من اليمنيين إلى عدة دول حول العالم، إما كمهاجرين قانونيين أو كلاجئين.
مثَّل اللاجئون الفئة الأقل بين المغادرين من اليمن، بسبب موقع الدول التي تستقبل اللاجئين على الطرف المقابل من البحر الأحمر، مثل جيبوتي والصومال، كما أن تردي الوضع الاقتصادي في الدول المستضيفة، جعلها الملجأ الأخير لسكان مناطق الصراع المجاورة لسواحل البحر الأحمر وجزء من البحر العربي كعدن ولحج والحديدة. لكن دول المهجر لم تلبي طموحات اللاجئين اليمنيين، حيث عانى الكثير منهم من تردي الأوضاع في الملاجئ التي يعيشون فيها وصعوبة الحصول على عمل، إما بسبب تردي الوضع الاقتصادي في تلك الدول، أو بسبب القوانين التي تقيد عمل اللاجئين.
وبالمقابل، مثًّل المهاجرون القانونيون النسبة العظمى للمغادرين من اليمن، وتعددت الأسباب التي دفعتهم للرحيل ما بين دراسية وعلاجية وبحث عن عمل ولم شمل عائلي، وغيرها من الأسباب التي أدت إلى استقرار الكثير منهم في بلدان المهجر واختيار عدم العودة.
نالت جمهورية مصر العربية النصيب الأكبر من المهاجرين اليمنيين، حيث ارتفع عدد اليمنيين في مصر من 70 ألف شخص قبل الحرب إلى نحو 1.5 مليون مهاجر يمني في العام 2022. كما توزع باقي المهاجرين في دول أخرى كثيرة، يأتي على رأسها ماليزيا وتركيا والأردن.
ظلت دول الخليج من أكثر البلدان جذبا للمهاجرين اليمنيين بسبب توفر فرص العمل وإمكانية لم شمل المغتربين بعوائلهم، حيث شكل المغتربون السابقون الركيزة الأساسية لهذه الهجرة. بالإضافة إلى عدد ممن تسلل إلى دول الخليج عن طريق التهريب، مخاطرا بحياته بين الأطراف المتحاربة في الحدود اليمنية السعودية بُغية إعالة أسرهم وانقاذهم من الفقر المدقع.
وعلى الرغم من تلك المغامرات، إلا أن بعض البلدان لم تكن المستقر النهائي لكثير من المغادرين، فقد اضطر بعضهم للهجرة مجددا إلى أوروبا، خصوصا بعد صدور قوانين جديدة تٌقيد عمل الأجانب فيها وتزيد من الصعوبات على أُسر المغتربين. فحسب تصريح الأمين العام للمجلس الأعلى للجاليات اليمنية حول العالم، مقبول الرفاعي، للجزيرة نت، فإن “عدد الشباب اليمنيين اللاجئين في أوروبا بلغ قرابة ستة آلاف لاجئ، موزعين على ألمانيا وهولندا والسويد والنمسا والنرويج وفرنسا وسويسرا واليونان ودول أخرى، علاوة على خمسين ألف يمني يقيمون في الدول ذاتها منذ سنوات سابقة، وأغلبهم في بريطانيا”.
الاستقرار في الخارج
تشكلت الكثير من المنظمات والجمعيات والاتحادات اليمنية في الخارج، حيث أنشأ اليمنيون في بريطانيا بعض المنظمات العاملة في المجال الثقافي والإغاثي مثل منظمة “تمدن للإعلام والتنمية الثقافية” التي تأسست عام 2017، و”منظمة الرحمة للإغاثة و”ميرسي ريليف” (Mercy Relief) و”هيئة سبأ الإغاثية” و”سبأ ريليف” (Saba Relief)، وتجاوز ما جمعته هذه الجمعيات خلال سنوات أكثر من 2.2 مليون جنيه إسترليني تم توزيعها على المحتاجين في جميع أنحاء اليمن.
وإذا عدنا إلى مصر، نجد أن اليمنيين هنالك كان لهم أيضا نصيب في إنشاء منظمات تكافلية وتعاونية، اعتمدت في بدايتها على التعبئة العفوية التكافلية الموجهة نحو المجتمع اليمني في مصر. فعلى سبيل المثال تقدم منظمة “مبادرة” التي تأسست خلال أزمة كورونا عام 2020، الخدمات للاجئين اليمنيين في مصر تشمل التدريب على مهارات معينة للحصول على وظيفة إضافة إلى الدعم النفسي والاجتماعي.
وبالمثل، زادت “دار أروقة للنشر اليمنية” التي تأسست عام 2010 في القاهرة، من أنشطتها وإصداراتها التي تركز على اليمن، مستفيدة من زيادة حضور المثقفين اليمنيين في الشتات بمصر. وعلى نحو مماثل، قامت “مؤسسة سبأ للثقافة والفنون” منذ العام 2015 بإنشاء مكتبة متخصصة للكتب اليمنية، إضافة إلى رعاية ودعم الفنانين والحرفيين اليمنيين الذين استقروا في مصر.
وكان لتركيا النصيب الأكبر بإنشاء العديد من المنظمات والمؤسسات والقنوات التلفزيونية، حيث ظهرت قنوات تلفزيونية يمنية تبث من اسطنبول منها قناة “بلقيس” و”المهرية” و”يمن شباب”. علاوة على ذلك، تأسست منذ العام 2015 جمعيتان يمنيتان مهمتان هما: “الجالية اليمنية” التي تقدم الخدمات الاجتماعية للمقيمين في عموم المحافظات التركية، و”اتحاد الطلاب اليمنيين” الذي يهتم بالجانب الطلابي، إضافة إلى عدة مؤسسات ومراكز بحثية ونوادي ثقافية تشكلت خلال الفترة نفسها.
تحول جذري
إلى زمن قريب، ظل اليمنيون مشغولون بالعمل في محالهم وتجارتهم في الولايات المتحدة تاركين عائلاتهم في اليمن، أو دفع أولادهم للعمل معهم في المحلات التجاري والانشغال بكسب أكبر قدر من المال بديلا عن الدراسة. ولم يتغير الحال كثيرا حتى انطلاق أول شرارة للحرب في اليمن أواخر العام 2014، حيث بدأ اليمنيون بنقل عوائلهم إلى جوارهم في الغربة.
لكن الحرب لم تكن السبب الوحيد لتغيير نظرة اليمنيين للاستقرار في الخارج، ولكن كان لها الدور الأبرز لدفع المغترب اليمني لإعادة تقييم وضعه في الخارج واختيار الاستقرار التام والانخراط بشكل مكثف في سياسة وإدارة الدول التي يعيشون فيها.
وأُجبر اليمنيون بشكل خاص على الانخراط في تلك الدول واستيعاب قوانينها وسياساتها للحفاظ على حقوقهم ومكتسباتهم. فقد نجح عدد من أبناء الجالية اليمنية في الولايات المتحدة بالفوز في الانتخابات المحلية لعام 2021 في عدة مدن وولايات، حيث تمكن اليمني الأمريكي أمير غالب (42 عاما) وللمرة الأولى من الفوز برئاسة بلدية “هامترامك”، متغلبا على منافسه الذي شغل منصب رئيس البلدية لمدة 16 عاما.
كما فازت اليمنية الأمريكية أميرة المفلحي، بعضوية المجلس المحلي في “كاونا نيويورك”، في حين فاز اليمني الأمريكي آدم البرمكي وخليل الرفاعي، بعضوية المجلس المحلي لمدينة “همترامك”، وأصبح جميل الطاهري، أول يمني برتبة كابتن في شرطة مدينة نيويورك عام 2021.
تأثر اليمنيون بشكل واضح بالحرب اليمنية الدائرة منذ 8 سنوات على مستويين؛ الأول، تأثير الحرب على كثافة الهجرة من اليمن، سواء على الشباب الباحثين عن عمل أو غيرهم من الباحثين عن الاستقرار التام. والثاني، تأثير الحرب على مهاجري ما قبل الحرب الذين توجهوا لجلب عوائلهم من اليمن إلى البلدان التي يعيشون فيها، أو إلى أقرب خيار آمن في مصر وماليزيا والأردن وتركيا.
وأصبح من الواضح تحول المهاجر اليمني من “مغترب” يعيل أسرته في اليمن، إلى “مهاجر” يبحث عن إعادة توطين لنفسه وعائلته في البلد التي يعيش فيها، وهذا يعد تحولا جذريا في رؤية المهاجر اليمني لمستقبل الحرب في اليمن.
*الكاتب من خريجي برنامج “مهارات كتابة المقال السياسي” الذي ترعاه المؤسسة