حرب المناطيد وسباق السيطرة على الفضاء
بعد حادثة إسقاط المنطاد الصيني في الولايات المتحدة ستتقاسم الدول العظمى الفضاء، وقد ترسل الدول كتائب وسرايا صاروخية إلى حدودها الفضائية للتفتيش و المراقبة، تماما كما تفعل على حدودها الأرضية للتعامل مع أي أجسام غريبة.
* أحمد عبد العزيز السروري
باسقاط الولايات المتحدة للمنطاد الصيني تحولت مواجهات أروقة السياسة إلى العلن، حيث تناول الإعلام العالمي الحادثة بشكل مكثف وترقب حذر، في انتظار إغلاق هذا الملف الذي يتعلق بسباق السيطرة الفضائية على الدول. ويبدو أن إغلاق الملف لن يكون سهلا، وسيتحول إلى تصعيدات سياسية قد تنتهي باعتماد مواثيق أممية لوضع قوانين وحدود فضائية تشبه إلى حد ما تلك الحدود البرية و البحرية.
ستتقاسم الدول العظمى الفضاء، وقد ترسل الدول كتائب وسرايا صاروخية إلى حدودها الفضائية للتفتيش و المراقبة، تماما كما تفعل على حدودها الأرضية للتعامل مع أي أجسام غريبة. فالمنطاد أو أي جسم لا يمتلك تصريح عبور سيتم اسقاطه فورا.
وعقب الحادثة، لزمت الصين الصمت قليلا، لكنا صرحت لاحقا أن المنطاد “انحرف عن مساره” مثلما انحرف منطاد آخر في أمريكا اللاتينية، مشيرة أن المنطاد يستخدم للأبحاث الجوية والمناخ. غير أن الولايات المتحدة أثبت بالأدلة أن المنطاد استخدم لأبحاث وأغراض عسكرية، على مبدأ أن كل الأجهزة تصنع للاستخدام العسكري.
جاءت حادثة إسقاط الولايات المتحدة منطاد التجسس الصيني لتعيد إلى الذاكرة بداية انتشار المناطيد في أواخر القرن الـ18، واستخدامها منذ ذلك الحين لأغراض المراقبة والتجسس وأحياناً القصف. فكيف تعمل المناطيد وما الذي يميزها؟، ولماذا لا تزال بعض الجيوش تستخدمها حتى اليوم رغم تحليق الآلاف من أقمار التجسس الاصطناعية المتطورة تكنولوجياً في المدارات الأرضية؟
وبحسب مسؤول شركة “أيروستار”، فإن لدى مناطيد “ثندرهيد” القدرة على اتخاذ بعض القرارات من تلقاء نفسها، فهي تعرف نوعاً ما إلى أين تحاول الوصول، وعندما تنتهي من رحلاتها، تنفصل حزمة مستشعراتها وتهبط إلى الأرض، حيث يتم التقاطها للتحليل. لكن في بعض الحالات، يمكنها نقل المعلومات التي تم جمعها بينما لا يزال المنطاد محلقا في السماء.
ويبدو أن المنطاد الصيني كان يتطابق مع الخصائص العامة لما يسميه مهندسو الطيران “منطاداً ذو ضغط صفري طويل المدى”، أشبه بعين عالية التقنية في السماء يمكن أن تحوم فوق منطقة مستهدفة لأسابيع أو أشهر.
وبحسب مدير برنامج التقنيات الاستراتيجية في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية جيمس لويس، فإن استكشاف وجود كاميرات أو معدات اتصالات قادرة على نقل المعلومات إلى الدول الأخرى، أو في حال تبين من تحليل حزمة المستشعرات التي حملها المنطاد أنها جمعت معلومات محددة، فسوف يتضح ما إذا كان المنطاد للتجسس أم للأرصاد الجوية.
تعد الأقمار الاصطناعية هي الطريقة المفضلة للتجسس من الأعلى، وعادة ما توضع في أحد نوعين مختلفين من المدارات، وفق ما يقول أستاذ علوم هندسة الطيران والفضاء في جامعة كولورادو بولدر إيان بويد. ويسمى النوع الأول “أقمار المدار الأرضي المنخفض”، وهي قريبة نسبياً من الأرض لكنها لا تزال على بعد عدة مئات من الأميال. لكن عيب هذه الأقمار أنها تتحرك باستمرار، حيث يستغرق الأمر نحو 90 دقيقة لاستكمال دورة واحدة في المدار حول الأرض، ما يجعلها سريعة جداً من حيث التقاط صور واضحة لما يجري أدناها، فضلاً عن أنه يمكن التنبؤ بحركتها في الفضاء.
أما النوع الثاني من الأقمار الاصطناعية، فهي أقمار المدار المتزامن مع الأرض، وتحلق على مسافات أبعد بكثير، ومن عيوبها أنه من الصعب عليها رؤية الأشياء بوضوح، لكن لديها ميزة الثبات، ما يسمح لها بالتقاط الصور بشكل مستمر لأن القمر الاصطناعي يتحرك تماماً بنفس الطريقة التي تدور بها الأرض، ويدور بنفس السرعة بالضبط.
ولهذا فإن المناطيد تعد في بعض النواحي أفضل من أقمار التجسس الاصطناعية، فهي أقرب بكثير إلى الأرض، لذلك يمكنها الرؤية بشكل أكثر وضوحاً، كما أنها تتحرك ببطء نسبياً، لذا فهي تتمتع بدرجة من الثبات، كما يضيف كبير الباحثين الدوليين في مؤسسة راند تيموثي هيث، أن المناطيد يصعب اكتشافها لأنها لا تحتوي على كثير من المعادن، ما يمثل صعوبة في رصد أجهزة استشعار الرادار لها.
وذكرت صحيفة “بوليتيكو” أن إنشاء وتشغيل المناطيد أرخص بكثير من الأقمار الاصطناعية، ويمكن أن تحمل أوزاناً أثقل من طائرات التجسس من دون طيار، كما يمكنها أيضاً أن تسافر مسافات طويلة من دون الحاجة إلى تلقي وقود إضافي ويمكنها البقاء في منطقة معينة لفترة زمنية أطول من القمر الاصطناعي الذي يدور حول الأرض. كما يمكن للحكومات الأجنبية أن تدعي أنها تستخدمها لأغراض مدنية، مثل مراقبة أنماط الطقس كما فعلت الصين.
ومع ذلك لا يتم التجسس عادة هذه الأيام باستخدام المناطيد لأنه لا يمكن التحكم فيها تماماً، كما أنها تعد هدفا سهلا إذا تم اكتشافها، تماما كما حدث مع الولايات المتحدة.
وتعتبر هذه البالونات وسيلة استطلاع غير مكلفة وعملية ويمكنها استكشاف مناطق كبيرة في نطاقات أقرب وبدقة أعلى من الأقمار الصناعية. تم بالفعل استخدام البالونات المجهزة بالرادارات والكاميرات للتجسس من قبل الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي سابقا خلال الحرب الباردة.
مناطيد في كل مكان
بعد حادثة اسقاط الولايات المتحدة للمنطاد الصيني، تم الكشف عن منطاد آخر في سماء كولومبيا. فماذا وراء تحليق هذه البالونات الصينية في أجواء أجنبية؟ وماذا عن ردود الأفعال الدولية على ذلك؟
زادت واقعة إسقاط الولايات المتحدة الأمريكية لبالون صيني مشتبه به من حدة التوترات في العلاقة المشدودة بالفعل بين واشنطن وبيكين. وسبق أن وقعت حوادث مشابهة، غير أن البالون هذه المرة ظل فوق الأراضي الأمريكية لفترة أطول من المعتاد. ووفقا لوزارة الدفاع الأمريكية “البنتاغون” لم يشكل البالون خطرا على حركة الطيران نظرا لارتفاعه العالي.
ما وقع في في الولايات المتحدة ليس حادثة منفردة. فالبالونات الصينية لا تطير في المجال الجوي للولايات المتحدة فقط، حيث أكدت وزارة الخارجية الصينية وجود منطاد صيني فوق كولومبيا. وحسب المصدر ذاته فقد دخل هذا المنطاد “عن غير قصد” المجال الجوي لدول أمريكا اللاتينية. كما شوهدت أجسام طائرة مماثلة مرتين في شمال اليابان في عام 2020.
وفقا لتقرير للقناة الثانية الألمانية “ZDF”، وخلال رئاسة دونالد ترامب، طافت ثلاثة بالونات مشابهة دون مضايقة في جميع أنحاء الولايات المتحدة. وحسب البنتاغون، شوهدت أجسام مماثلة في السنوات الأخيرة، لكن البالون الأخير حلّق فوق البلاد لفترة زمنية أطول من المعتاد.
العلاقات البالونية
ذكر بيان رسمي صادر عن نائب وزير الخارجية الصيني أن إسقاط البالون أضر بشكل خطير بجهود الجانبين لتحقيق الاستقرار في العلاقات الصينية الأمريكية. وحثت بكين واشنطن على عدم اتخاذ أي إجراء آخر من شأنه الإضرار بمصالح الصين. وبحسب بكين، كان المنطاد “مدنيا” دخل سهوا المجال الجوي الأمريكي. لكن الرئيس الأمريكي جو بايدن أعلن في وقت سابق إسقاط البالون الصيني في 4 فبراير 2023.
ترى الحكومة الأمريكية في واشنطن أن بالون التجسس الصيني المشتبه به كان يقوم بعملية استكشاف المنشآت العسكرية الأمريكية. حيث كان المنطاد يحلق بالقرب من قاعدة جوية في ولاية مونتانا التي يتم تخزين صواريخ باليستية عابرة للقارات برؤوس حربية نووية. وقال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين إن اقتحام المجال الجوي الأمريكي “غير مقبول” و “غير مسؤول”. وبناء على أوامر من الرئيس الأمريكي جو بايدن، أسقطت الطائرات الحربية الأمريكية البالون فوق المياه قبالة ساحل ولاية كارولينا الجنوبية.
يعود تاريخ مراقبة الخصم من منطاد إلى عام 1794، عندما استخدم الفرنسيون منطاد الهواء الساخن لتعقب القوات النمسوية والهولندية في معركة فلوروس، لكن الحرب الأهلية الأميركية سجلت أول استخدام للمناطيد على الأراضي الأميركية عام 1862، حيث ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” أن جيوش الاتحاد والكونفيدرالية استخدمت المناطيد للتجسس على الطرف الآخر قبل أن يواجه كل من الجانبين بعض المشكلات اللوجيستية.
وكانت المناطيد المملوءة بالهيدروجين حاسمة خلال الحرب العالمية الأولى للمساعدة في توجيه نيران المدفعية وتحديد تحركات القوات وملاحظة مواقع العدو مثل المستودعات والخنادق، ولهذا كانت بعض الاستخدامات المبكرة للطائرات هو تدمير هذه المناطيد عندما ترتفع في الهواء لمراقبة العدو.
وفي الحرب العالمية الثانية، استخدم الأميركيون في أوروبا المناطيد للمراقبة وفي حالات قليلة لشن هجمات، حيث أصبحت حاسمة في الحرب المضادة للغواصات لأنها يمكن أن تحوم وتذهب ببطء وتتابع التغيرات في المياه التي يمكن أن تشير إلى وجود غواصة.
ومع بدء إنزال قوات الحلفاء في فرنسا يوم 6 يونيو 1944، أنزل الأميركيون أول وحدة تهبط في فرنسا من مناطيد، وهي وحدة أميركية من أصل أفريقي، وفقاً للمتحف الوطني للحرب العالمية الثانية في مدينة نيو أورلينز.
وقبل نهاية الحرب العالمية الثانية، أرسلت اليابان تسعة آلاف منطاد عسكري صغير محمل بقنابل يعرف بقنابل (فو-غو) من مسافة ستة آلاف ميل عبر المحيط الهادئ إلى الولايات المتحدة، وعُثر على 285 منطاداً منها في عدة ولايات متفرقة بينها ميشيغان ووايومنغ وتكساس، لكن ستة أشخاص فقط لقوا حتفهم في هجوم على ولاية أوريغون في مايو عام 1945، وفقاً للمتحف الوطني للقوات الجوية الأميركية.
وبعد نهاية الحرب، سيرت الولايات المتحدة عديداً من المناطيد فوق الاتحاد السوفياتي في الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي، وتم استبدالها في النهاية بطائرات التجسس الشهيرة “يو 2” التي كانت تحلق على ارتفاعات عالية، قبل أن تستبدلها لاحقاً بالأقمار الاصطناعية.
وحديثا، يتم تجهيز مناطيد المراقبة بكاميرات فيديو وأجهزة استشعار، حيث كانت مناطيد المراقبة والتجسس الأميركية المجهزة بكاميرات الفيديو التي تعمل بالأشعة تحت الحمراء والملونة، والمعروفة باسم الأروستات، حاضرة بشكل مستمر في أفغانستان أثناء الحرب، كما استخدمت مناطيد الهيليوم للمرة الأولى في العراق عام 2004 واستخدمت أيضاً لمراقبة الحدود الجنوبية للولايات المتحدة.
ردود دولية
أبدت ألمانيا قلقها من التوتر المتزايد بين بكين وواشنطن، حيث يرى السياسي في الحزب الديمقراطي الاشتراكي مايكل روث، أن قضية البالون هي “نذير” للصراع المتصاعد بين الصين والولايات المتحدة في السنوات المقبلة.
دول عدة مثل إستونيا وكندا وكوريا الجنوبية نددت إطلاق الصين لبالونات التجسس، وغرد وزير خارجية إستونيا أورماس راينسالو، قائلا إنه “يؤيد الدفاع عن السيادة الأمريكية”. أما الاتحاد الأوروبي فكان مترددا في موقفة من الحادثة، حيث قال في بيان إن أمن وحماية المجال الجوي من قضايا الأمن القومي وهذه مسؤولية الدول المعنية.
وأعلن مسؤول ياباني أن طوكيو ستتعاون مع واشنطن لإعادة تقييم طبيعة أجسام طائرة مجهولة شوهدت فوق اليابان في السنوات الأخيرة، بعدما أسقطت الولايات المتحدة منطادا صينيا اعتبرته وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) تجسسيا. وقال المتحدث باسم الحكومة، هيروكازو ماتسونو، لصحفيين، “نتواصل مع الولايات المتحدة لكننا نرفض التعليق على المحادثات الدبلوماسية”.
وأضاف أنه “مع ذلك نقوم بتحليل أجسام شوهدت فوق اليابان في يونيو 2020 وسبتمبر 2021، بما في ذلك علاقتها المحتملة بما حصل في الولايات المتحدة”.
وشوهد جسم طائر غامض يشبه المنطاد في شمال اليابان عام 2020. ونشر السكان صورا له على مواقع التواصل الاجتماعي. وقالت وكالة الأرصاد الجوية اليابانية حينها إن الجسم بدا وكأنه منطاد لمراقبة الطقس، لكنه لا يعود إليها.
واستبعدت الحكومة حينها فرضية أن يكون الجسم الطائر تابعا لدولة أجنبية، لكن أحيت قضية إسقاط الولايات المتحدة لمنطاد صيني دخل المجال الجوي الأميركي الشكوك حول طبيعة هذه المناطيد.
وأكد ماتسونو أن “الحكومة رصدت مناطيد مماثلة مجهولة الملكية”، منها واحد في يناير 2022 حلق فوق البحر غرب كيوشو في جنوب غربي البلاد. وأوضح أنهم يواصلون “بذل الجهود اللازمة لجمع وتحليل (المعلومات) بالتعاون مع حليفنا”.
وفي وقت سابق، قالت وزارة الدفاع اليابانية إنها تقوم بـ”مراقبة المجال الجوي الياباني على مدى 24 ساعة، 365 يوما”، لكنها رفضت أن تؤكد ما إذا كانت مناطيد للتجسس قد شوهدت فوق اليابان على غرار المنطاد الصيني الذي أسقطته الولايات المتحدة.
تعقبت وكالات الاستخبارات الأميركية والجيش الأميركي رحلة منطاد التجسس الصيني منذ انطلاقه من قاعدته الرئيسية في جزيرة هاينان بالقرب من الساحل الجنوبي للصين، وحتى دخوله المجال الجوي للولايات المتحدة، وفقا لتقرير لصحيفة “واشنطن بوست”.
شاهد المراقبون الأمريكيون المنطاد وهو يستقر في مسار طيران فوق أراضي جزيرة غوام الأميركية، لكنه اتخذ “منعطفا غير متوقعا”، وفقا للعديد من المسؤولين الأميركيين، الذين قالوا إن المحللين يدرسون احتمال أن “الصين لم تكن تنوي اختراق قلب أميركا بأجهزة المراقبة المحمولة جوا”.
وقال المسؤولون، إن المنطاد طاف فوق جزر ألوشيان في ألاسكا على بعد آلاف الأميال من غوام، ثم انجرف فوق كندا، حيث واجه “رياحا قوية” يبدو أنها دفعته جنوبا إلى الولايات المتحدة. ويشير ذلك إلى أن الأزمة التي أدت إلى تصعيد التوترات بين واشنطن وبكين ربما كانت جزئياً على الأقل “نتيجة خطأ”، حسب واشنطن بوست.
الحدود الفضائية
قبلت الأمم المتحدة تاريخياً ما يسمى “خط كارمان” كحدود للمكان الذي تنتهي فيه الأرض ويبدأ الفضاء الخارجي من على ارتفاع 62 ميلاً (100 كيلومتر). وعلى رغم أنها مسافة بسيطة بالمقاييس الأرضية، ويدخل أيضاً ضمن سحب الجاذبية القوي للأرض، فإن خط كارمان اعتمد على الواقع المادي بمعنى أنه يشير إلى الارتفاع الذي لا تكون فيه الطائرات التقليدية قادرة على الطيران بشكل فعال لأن الهواء يصبح رقيقاً جداً، ويحتاج أي شيء يتحرك فوق خط كارمان إلى نظام دفع لا يعتمد على الرفع الناتج عن الغلاف الجوي للأرض.
وبعبارة أخرى، يعد خط كارمان هو المكان الذي تتغير فيه القوانين الفيزيائية التي تحكم قدرة المركبة على الطيران، ولهذا لا توجد حدود وطنية تمتد إلى الفضاء الخارجي. ومن ثم أصبحت المناطق التي تتجاوز 100 كم فوق سطح الأرض تمثل المجال الجوي للدول وخاصة فوق المياه الدولية، ولأن المنطاد الصيني كان يحلق على ارتفاع أقل بكثير من ذلك، فقد أصبح موجوداً في المجال الجوي للولايات المتحدة، وهذا هو السبب وراء الانتقادات العنيفة التي وجهتها واشنطن لبكين.
كان لدى البنتاغون برامج على مدى العقود القليلة الماضية تدرس المناطيد. ووفقاً لموقع “ذا هيل” فقد بدأت وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) في إطلاق بالونات الستراتوسفير المليئة بالهيليوم في الخمسينيات من القرن الماضي، وجربها الجيش في منتصف عام 2010 على ارتفاعات منخفضة، كما استثمرت القوات المسلحة الأميركية في برنامج منطاد للتجسس تم إلغاؤه في عام 2017 يعرف باسم نظام الاستشعار المرتفع الشبكي أو عدسات جيه، وقد صمم لتتبع القوارب والمركبات الأرضية وطائرات الدرون وصواريخ كروز.
وفي عام 2019، عمل البنتاغون على مشروع مصمم لرصد مهربي المخدرات وأطلق 25 منطاداً للمراقبة من ولاية ساوث داكوتا كجزء من هذا المشروع، لكن مسؤولاً في البنتاغون أوضح لصحيفة “بوليتيكو” العام الماضي أن المشروع انتقل إلى الجيش، وإن لم يكشف عن تفاصيل ذلك لأن الجهود سرية، ومع ذلك ذكرت الصحيفة أنه يمكن استخدام المناطيد في النهاية لتتبع الأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت من روسيا والصين.
وبينما لم تعلن الصين رسمياً عن برامجها حول مناطيد التجسس، إلا أن الحادث الأخير جعل مسؤولين دفاعيين أميركيين يكشفون أن الصين تمتلك أسطولاً من مناطيد التجسس، بما في ذلك المناطيد التي تم رصدها وهي تحلق فوق فنزويلا وكولومبيا، التي انتهكت أيضاً سيادة البلدان الأخرى.
ويشير مسؤولون أميركيون إلى أن غالبية أنشطة مناطيد التجسس تمت بتوجيه من جيش التحرير الشعبي الصيني على مدى السنوات عديدة الماضية، حيث تم رصد مناطيد صينية من قبل فوق بلدان عبر القارات الخمس، التي كانت كثيفة في شرق آسيا وجنوب آسيا وأوروبا.
وتكشف دراسات أميركية، أن خبراء جيش التحرير الشعبي الصيني كانوا يتابعون الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة وفرنسا ودول أخرى لاستخدام مناطيد متقدمة عالية الارتفاع لجمع المعلومات الاستخباراتية ولتنسيق العمليات في ساحة المعركة، بعد أن جعلت المواد والتقنيات الجديدة، المناطيد ذات قدرات بعيدة المدى وأكثر قدرة على المناورة.
ومن المتوقع حاليا، أن تعيد العديد من الدول تقييم موقفها من استخدام مناطيد التجسس عوضاً عن الطائرات والأقمار الاصطناعية.
*الكاتب من خريجي برنامج “مهارات كتابة المقال السياسي” الذي ترعاه المؤسسة