فتح الطرقات في اليمن.. الدوافع والمآلات
المقدمة:
- الحصار وغلق الطرقات عمل غير إنساني ولا أخلاقي ولا صلة له بأي أجندة سياسية أو أي مكاسب يمكن تحقيقها على الأرض.
- أن استمرار الحوثي لغلق الطرقات طيلة الفترة الماضية أستهدف كل اليمنيين في الداخل والخارج.
- تسع سنوات وأكثر عانى الشعب اليمني الويلات جراء الحصار وغلق الطرقات، دون أي مبرر سوى تعنت جماعة الحوثي خلال الفترة الماضية، لأن بقاءها مغلقة كانت تدر له مئات الملايين.
- على رغم من تعدد المطالب بفك الحصار عن المدن، وعقد محادثات متعددة بين الحكومة والحوثيين حول قضية فتح الطرقات بين العديد من المدن اليمنية، إلا أن تلك الجهود لم تفلح، وأخرها كانت في شهر رمضان الماضي حيث دعي المبعوث الأممي جماعة الحوثي بفتح الطرقات. وقد شكلت هذه القضية أهمية بالغة في كل المفاوضات التي ترعاها الامم المتحدة ويشرف عليها المجتمع الدولي والدول الاقليمية، الا أن تعنت مليشيات الحوثي كانت تحول دون تحقيق أي تقدم بشأنها.
- بدون أي مقدمات وبطريقة لم يتوقعها أحد، تعلن مليشيات الحوثي وبشكل مفاجئ على لسان القيادي في صفوفها المُعيّن قائمًا بأعمال محافظ تعز احمد المساوي، فتح طريقين إلى مدينة تعز، سبقها إعلان الجماعة فتح طريق بين محافظتي البيضاء ومأرب.
- أعرب يمنيون عن فرحتهم الكبيرة لإعادة فتح الطرق الحيوية بين مدنهم للمرة الأولى منذ نحو 10 سنوات، وقد احتشد ألاف اليمنيين، وأطلقوا أهازيج تعبيرا عن فرحتهم بدخول وخروج مسافرين عبر هذا الطرق.
- جماعة الحوثي انتدبت اقليمياً ودولياً للقيام بأدوار سياسية تقربها اجتماعياً من الشعب، وما هذه المبادرة إلا جزءً من هذا الدور. ويضغط على الشرعية في تمكين الحوثي من تمرير سياساته.، والدليل على ذلك أن كل التنازلات تمت من طرفها. وفي ذلك دليل على أن الشرعية افسدت من الداخل وبالتالي فهي لا تعبر عن الشارع اليمني.
- فتح الطرق واحدة من الاستحقاقات التي اقرتها اتفاقيات استكهولم، ولذلك ما قام به الحوثي ليست منحه منه ولكنه تراكم لاستحقاقات واتفاقيات دولية سابقة.
- المجمع عليه أنّ هناك غموض في هذه الخطوة التي قام بها الحوثي، والسبب أن الخط العام هو أننا فرقاء مع الحوثي في الحرب .. لكن لسنا شركاء معه في السلام.
- الجديد في فتح الطرقات: أن الحوثي سور الطرقات بأحزمة من الألغام. الأمر الذي جعل الحوثي الآن يزيل هذه الألغام بنفسه، وهذا مؤشر على أن هناك تطمينات أعطيت للحوثي بعدم الهجوم عليه، وكذلك تطمينات في السير بعملية السلام التي ليست الشرعية جزءً منها.
- جبهة تعز من الجبهات القوية والبارزة والتي يجب أن يكون لها رؤية في الأحداث. حتى وإن استدعى الأمر القوة.
دوافع وأهداف فتح الطرقات:
- ينظر لمسألة فك الحصار وفتح الطرقات من طرف الحوثي في إطار المحاور الاتية:
- الصراع المحلي.
- الصراع الإقليمي.
- الصراع الدولي. حيث ينبغي أن يحلل هذا الحدث في إطار هذه المحاور الثلاثة.
- سعي الحوثي لصناعة أزمات مثل: (اختطاف الطائرات – المعتقلين – الطرقات) وكلها قضايا يشغل بها الطرف الأخر ليجعله يشعر بتجاوزها على أنها إنجازات.
- الدوافع السياسية: حيث يأتي هذا التوجُّه مِن قبل الجماعة في ظلِّ الحديث عن توقيع اتِّفاق بين جماعة الحوثي والمملكة العربية السعودية بشأن إيقاف الحرب، والذهاب إلى تسوية سياسية تدفع إليها الأطراف اليمنية المتصارعة للخروج مِن حالة الانقسام والتشظِّي القائمة. ومِن ثمَّ هناك ضغوط خارجية على جميع الأطراف، بمَن فيها جماعة الحوثي، لخلق أجواء تهدئة وتوطئة للحلِّ السياسي وبناء الثقة، خصوصًا في ظلِّ الإلحاح المتزايد بشأن معالجة القضايا العالقة بما فيها الطرقات.
- الدوافع الاقتصادية: في ظلِّ رغبة جماعة الحوثي على تقوية اقتصادها ومواردها المالية، خصوصًا في ظلِّ تراجع مواردها، وتراجع مداخيل ميناء الحديدة، على خلفيَّة قيام الجماعة بمهاجمة السفن التابعة لإسرائيل أو ذات الصلة بها، وزيادة التوتُّر في مضيق باب المندب والبحر الأحمر، وبالتالي فإنَّ فتح الطرقات سوف يفكُّ عن مناطق الحوثيين أزمة التموين والتجارة. كما أنَّ فتح هذه الطرقات سيساعد الجماعة على القيام بإجراءات، احتياطيَّة وبديلة واستباقيَّة، لقرارات البنك المركزي بعدن، والهادفة لنقل وتوطين المركز المالي للجمهورية اليمنية مِن صنعاء إلى عدن. ومِن ثمَّ هناك مَن يقرأ هذا التوجُّه لجماعة الحوثي في بعده الاقتصادي الذي يخدم أجندات الجماعة الاقتصادية المختلفة.
- الدوافع العسكرية: على الصعيد العسكري والأمني، لا تزال جماعة الحوثي تسعى لتوسيع دائرة نفوذها في المحافظات الشمالية كاملًا باعتبارها القوَّة العسكرية الأقدر على السيطرة عليها وإدارتها، في موازاة “المجلس الانتقالي الجنوبي”، التابع للإمارات العربية المتَّحدة، كقوَّة يمكن أن تبسط سيطرتها على المحافظات الجنوبية كاملًا، ما يجعل التفاوض السياسي سهلًا بين الطرفين. ومِن ثمَّ فإنَّ جماعة الحوثي مسكونة برغبة جامحة في ضمَّ محافظة بقيَّة المحافظات إلى سلطتها بصنعاء، بما في ذلك محافظتي تعز ومأرب، والتي فشلت اقتحامها عسكريًّا رغم كلِّ المحاولات التي بذلتها في السنوات الماضية.
- حالة الضغط والحراك الشعبي العارمة التي مورست من قبل المواطنين، والوضع الإنساني السيئ الأمر الذي جعل الحوثي يستجيب لهذا الحراك.
- يسعى الحوثي لإحداث متنفس شعبي للمواطنين، مستفيداً من حالة الضجة الإعلامية التي حققها من وراء تحركاته في البحر الأحمر.
- مثل فتح الطرقات تجاوز لحالة التعثر الذي لم يستطيع الحوثي القيام به.
- الحوثي يسعى لجعل هذه الطرق تحت سيطرته، ليكون بمقدوره إغلاقها متى ما شاء وفي أي وقت يريد.
- هناك من يرى أنّ الهجمات التي يقوم بها الحوثي في البحر الأحمر عززت لديه أنه أصبح في موقع قوة، ولذلك يسعى لتحقيق مكاسب أكثر.
- هناك من يرى أنّ ضغوطاً سعودية وأمريكية مورست على الحوثي لفك الحصار من أجل الضغط على الشرعية في إيقاف قرارات البنك المركزي.
- يجب أن تدرس الأبعاد السياسية التي يسعى الحوثي للحصول عليها من وراء فتح الطرقات، وكذلك الأبعاد الاقتصادية التي سيجنيها من وراء ذلك.
- الحوثي يشعر أنه حقق انفراجه في فتح الطرقات، ولذلك فهو يسوق هذا الحدث إعلامياً.
- تحاول مليشيات الحوثي بهذه المبادرات كسب الشارع اليمني لصالحها في ظل الحرب الاقتصادية العنيفة التي تشنها الحكومة الشرعية ضدها.
- عدم قدرة جماعة الحوثي على الاستمرار بالمناورات الاقتصادية رغم تحكمها لمدة 9 سنوات بمجريات الأمور المتعلقة بالشأن الاقتصادي.
- هناك من يرى أن السرعة في فتح الطرقات في كل من تعز ومارب، تأتي هروبًا من الأوضاع المتأزمة التي تعيشها الجماعة في مناطقها والمتأثرة بشكل كبير بقرارات وإجراءات البنك المركزي في عدن والجهات الحكومية كالاتصالات والنقل، الأمر الذي جعل الحوثي يبادر ببعض التنازلات.
- الضغوط الإعلامية والسياسية التي زادت وتيرتها خلال الفترة الاخيرة وانكشاف الجماعة أمام الرأي العام المحلي والدولي بادعائها مناصرة أبناء غزة في حين تحاصر أبناء جلدتها في العديد من محافظات الجمهورية. الأمر الذي جعل الحوثيين يسعون إلى تحسين صورتهم أمام الشعب اليمني.
- خطوة جماعة الحوثي لفتح الطرقات تأتي “في سياق المناورة السياسية بهدف تخفيف الضغط الدولي الداعم للشرعية، وإظهار حسن النوايا كرسالة للقوى الضاغطة في الخارج.
- هناك من يرى أن الدافع اقتصادي للقيام بإنشاء سوق سوداء لتصريف الأموال التي لديه وسحب العملة الصعبة.
- تسهيل دخول وخروج الأموال، والحصول على أكبر قدر ممكن من العملة الصعبة.
- تسهيل وصول البضائع إلى مناطق الشرعية من قبل الحوثي للحصول على سيولة مالية.
- إحداث شرخ مجتمعي من خلال تعظيم دور الحوثي في فتح الطرقات ونسيان الماضي.
التخوفات المحتملة من مبادرة الحوثي بفتح الطرقات:
- من الجوانب التي تشكل تخوفاً حقيقًيًا من تلك المبادرات الحوثية، هي اختيار المناطق التي يتم فتح الطرق فيها، والتي تضم جبهات عسكرية حساسة وذات اهمية نوعية بالنسبة للحسم في تلك المحافظتين.
- حصر الشرعية في مناطق معينة مع الإبقاء على فتيل الأزمة بين اليمنيين.
- تراجع قرارات البنك المركزي خطوة للخلف.
- تسهيل خروج ودخول العناصر الأمنية إلى المدينة.
- دخول الحوثين والسيطرة على تعز بنفس الطريقة التي دخلوا فيها صنعاء.
- رصد الأوضاع والأماكن الحساسة، وأماكن تواجد الشخصيات المؤثرة في جانب الشرعية.
- رصد الأوضاع العامة، وشراء الولاءات في أوساط الإعلاميين والوجهاء والشخصيات العامة.
- تنفيذ اغتيالات وإشعال الفوضى تمهيدا لاجتياح المدينة، والقيام بأعمال عسكرية.
- أن يتخذ الحوثي من هذه المبادرة طريقه جديده للجباية وجمع الأموال وكسر الحصار الذي سيفرض عليه مما يضمن له مصدر دخل جديد من العابرين والمسافرين عبر هذه الطرقات.
- المتاجرة بالعملة الورقية اليمنية القديمة ونقلها عبر هذه المنافذ وفتح محلات لتبديل العملة لتخفيف وطئه القرار البنكي عليه.
- استخدام الحوثي هذه الطرق لنقل الأسلحة والأجهزة والمعدات عبر هذه خاصةً وأن فتحها لم تتم وفق إشراف عسكري يحدد المحاذير والممنوعات في استخدام هذه الطرقات.
- زيادة الضغط البشري والسكاني على المدينة في ظل ضعف الإمكانيات والدعم المركزي من الحكومة الشرعية.
المستفيد من فتح الطرقات:
- المستفيد الأول من فك الحصار هو الشعب اليمني الذي مثل له متنفس كبير.
- المستفيد أيضاً هو الحوثي بدليل أن الحوثي استمر باستهداف المدن. وحرصه أيضاً على أن يتساوى في المركز القانوني مع الشرعية. وبالتالي فالحوثي يبيض جرائمه بهذه المبادرة.
- المستفيد أيضا السعودية لأن هذا الفعل من شأنه تسهيل ورسم خارطة طريق للحلول السلمية، وخروج السعودية من المشهد.
ردود فعل الشارع:
- أعرب يمنيون عن فرحتهم الكبيرة لإعادة فتح الطرق الحيوية بين مدنهم للمرة الأولى منذ نحو 10 سنوات.
- احتشد مئات اليمنيين قرب المنفذ من جانب مدينة تعز، وأطلقوا أهازيج تعبيرا عن فرحتهم بدخول وخروج مسافرين عبر هذا الطريق.
- تداول ناشطون مقاطع فيديو تعكس فرحة الناس بفتح الطرقات التي ستمكنهم من رؤية أقارب لهم بعد فراق منذ نحو عشر سنوات.
- بهذه الخطوة الكبيرة يعبر اليمنيون سنوات المأساة والقطيعة والبُعد، ويلملمون شتات المدن المقسمة ويعيدون رسم خارطة البهجة بين أبناء الشعب اليمني.
السيناريوهات المحتملة:
السيناريو الأول: توسع المزيد من فتح الطرقات المتبقية بين المدن والمحافظات وفتح الحصار عنها من خلال اتفاقات بينية بين المحافظات المعنية وجماعات الحوثي. وتحييد الشرعية والجانب الرسمي عن هذه التحركات.
السيناريو الثاني: ظهور مزيد من حالة التوجس لدى الكثير اليمنيين من هدف الحوثي ومسارعته لفتح الطرقات بعد 9 سنوات من حصار اليمنيين. والخوف من استغلال الحوثي لهذه الطرقات في إحداث اختلالات أمنية داخل المدن التي كان يحاصرها. وإدخال خلايا إلى داخل المحافظة.
السيناريو الثالث: فتح الطرقات مرتبط بالجانب العسكري، وتنذر بتجدد الاشتباكات بين الحوثيين والشرعية وقد تقود إلى حرب جديدة. سعياً من الحوثي للوصول إلى باب المندب.
السيناريو الرابع: فتح الطرقات هي مقدمة لعملية سلام قادمة، ولمزيد من التسويات السياسية للكثير من الملفات الشائكة بين اليمنيين، ويتوقع أنها ستمضي بخطى سريعة من أجل استتباب
الأمن وإحلال السلام في البلاد. وفي نفس الوقت الضغط على تشكيل حكومة وطنية بين جهة مدعومة، وشرعية مقسمة ضعيفة.
كيف يمكن للشرعية اليمنية أن تستفيد من هذه المبادرة وهذه الخطوات؟
- عدم تمكين الحوثي من إيصال أي رسالة من أنه قدم خدمة جليلة للناس.
- العمل على إفشال أهداف الحوثي من صناعية شعبية لنفسه وتبيض تأريخه.
- تقديم دعم كافي لمحافظة تعز لتعزيز أجهزة المحافظة بالقيام بواجباتها.
- خلق تفاؤل في أوساط الناس في أنّ الحوثي ضعيف ومنكسر وليس بهذه القوة التي يتوقعها الناس.
- تسهيل إيصال المساعدات الإنسانية بشكل أسرع وأكثر سهولة، إلى ملايين المتضررين في المناطق المحاصرة.
- ضرورة تكثيف التغطيات الإعلامية لرفع المعنويات وتعزيز الإيجابيات، وأنّ هذا الاستحقاق الذي تم ليس منه من الحوثي.
- فتح خطوط تفاهمات مع حراس الجمهورية من أجل تكاتف الجهود ضد أي مخاطر قد تحدث.
- تشكيل ضغط في أنّ تعز تحتاج إلى مواردها لأنها في حالة مواجهة مع الحوثي.
- تحمل الشرعية مسؤوليتها في وضع رؤية للوصول إلى صنعاء.
- تحسين حركة التجارة والتنقل، وخلق فرص عمل للقضاء على البطالة التي تأثرت بسبب الحصار.
- بناء جسور التواصل بين الحكومة الشرعية والسكان في المناطق التي تحت سيطرة الحوثيين ودعمهم معنويا ونفسياً.
- الاستفادة من الدعم الشعبي للحكومة الشرعية، مما يساهم في عزل الحوثيين سياسياً.
- الإسراع في تقديم الخدمات للمتضررين من المواطنين.
- تشجيع حركة النقل التجاري بين مختلف المناطق، وتسهيل حركة المسافرين وإشعارهم بالفرق.
- تعزيز الأمن والاستقرار، ومكافحة أي جرائم قد تحدث.
توصيات:
- تعزيز الشرعية بالدعم العسكري واللوجستي اللازم. ومضاعفة الجهود الأمنية والعسكرية، وبناء التحصِّينات اللازمة للحفاظ على الجغرافيا المحرَّرة مِن أن يتمَّ انتزاعها بعمل عسكري خاطف.
- بناء تحالفات مختلفة بين كافَّة القوى الاجتماعية والمدنية والدينية، لإسناد رجال الأمن والجيش وحالة التأهُّب.
- تفعيل الدور الاستخباراتي في مناطق التماس مع الحوثي.
- الوقوف مع تعز مادياً من قبل الدولة.
- الدعم الإعلامي والمعلوماتي للمناطق المحاصرة من قبل الحوثي.
- تعويض المدنيين من المعاناة التي عاشوها في الحصول على الخدمات الأساسية.