آخر الأخبارإصداراتتقارير
أخر الأخبار

القمة العربية الإسلامية الطارئة في الدوحة: تضامن واسع ورسائل استراتيجية في مواجهة العدوان الإسرائيلي

تقرير: دكتور. عبد الله التميمي – الدوحة

مقدمة:

تدخل المنطقة مرحلة جديدة من التوتر عقب الضربة الجوية الإسرائيلية غير المسبوقة التي استهدفت قادة من حركة حماس داخل العاصمة القطرية الدوحة في 9 سبتمبر 2025، وأسفرت عن مقتل خمسة من قادة الحركة وأحد عناصر الأمن القطري.
هذا الاعتداء، الذي شكّل أول استهداف مباشر من نوعه لدولة خليجية، لم يكن مجرد خرق أمني، بل تطور خطير حمل أبعاداً سياسية وأمنية تتجاوز حدود قطر، ليمثل نقطة تحول في مسار الصراع الإقليمي. على إثره، دعت الدوحة إلى قمة عربية إسلامية طارئة، تحولت إلى منصة سياسية جمعت القادة العرب والمسلمين في مشهد تضامني استثنائي، وأطلقت رسائل قوية موجهة لإسرائيل والعالم بأسره.

أولاً: دلالات الاعتداء الإسرائيلي: يمكن قراءة الضربة الإسرائيلية على الدوحة من عدة زوايا:

  1. انتهاك للسيادة الوطنية: استهداف قيادات على أرض دولة ذات سيادة يمثل تحدياً صارخاً للقانون الدولي وأعراف العلاقات الدولية.
  2. ضربة لجهود الوساطة: الاعتداء جاء في لحظة حساسة بينما كان المستهدفون يناقشون مقترحاً أمريكياً للتهدئة بوساطة قطرية–مصرية، ما يشير إلى محاولة إجهاض المسار الدبلوماسي.
  3. تصعيد إقليمي غير مسبوق: توسيع دائرة الصراع إلى الخليج يفتح الباب أمام إعادة رسم خطوط الاشتباك الجيوسياسي في المنطقة.

ثانياً: أبرز مخرجات القمة:

  1. إدانات قوية وغير تقليدية. حيث وصفت قطر الاعتداء بأنه “خيانة وجريمة جبانة”، مؤكدة أنها لن تسمح بأي اختراق لسيادتها. واعتبرت دول عدة أن الهجوم يهدد الأمن الإقليمي ويضع المنطقة على أعتاب مرحلة تصعيد جديدة.
  2. تحذيرات من تهديد فرص السلام. فمصر شددت على أن الأفعال الإسرائيلية تعطل فرص التسوية وتزيد من حدة التوتر. كما حذرت بعض الوفود من أن الاعتداء قد يقوض مسار التطبيع ويجعل الاتفاقات السابقة موضع مراجعة.
  3. دعوات إلى خطوات عملية. دعا أمير قطر إلى اتخاذ إجراءات ملموسة تتجاوز حدود الإدانة اللفظية. كما طُرحت أفكار تشمل المقاطعة الدبلوماسية أو الاقتصادية، وإعادة تقييم العلاقات مع تل أبيب.
  4. دعم المسار الدبلوماسي. فرغم التصعيد الخطابي، أجمعت القمة على دعم الوساطة القطرية–المصرية–الأمريكية لوقف الحرب في غزة، في إشارة إلى موازنة بين الرد السياسي والتمسك بخيار التهدئة.
  5. تعزيز العمل العربي–الإسلامي المشترك. فمجلس التعاون الخليجي أعلن عن تفعيل آليات دفاعية مشتركة، وفي نفس الوقت برزت دعوات لتوحيد الصف العربي–الإسلامي في مواجهة السياسات الإسرائيلية المتصاعدة.

ثالثاً: التحديات والانقسامات:

 رغم وحدة الموقف المبدئي، كشفت القمة عن تباينات بين الدول المشاركة، فبعض الدول أبدت تحفّظاً على تبني خطوات عقابية مباشرة بسبب ارتباطاتها الاقتصادية أو السياسية بإسرائيل، وحذرت بعض الأصوات من أن البيان الختامي قد يظل رمزياً إن لم يُترجم إلى إجراءات فعلية.

رابعاً: رسائل سياسية متعددة الأبعاد: انعقاد القمة حمل في طياته عدة رسائل استراتيجية:

  • لإسرائيل: أن استهداف قطر يمثل خطاً أحمر، وأن أي اعتداء على سيادة دولة عربية أو إسلامية سيواجه برد جماعي.
  • للدول الغربية: أن تجاهل الخروقات الإسرائيلية يهدد الاستقرار، وأن المنطقة لن تقبل سياسة الكيل بمكيالين.
  • للداخل العربي والإسلامي: أن التضامن ليس خياراً أخلاقياً فقط، بل ضرورة لحماية الأمن القومي المشترك.

خامساً: قراءة في الأبعاد المستقبلية:

يرى محللون أن القمة لا تقتصر على التضامن مع قطر، بل قد تشكل منعطفاً استراتيجياً في العلاقة بين العالمين العربي والإسلامي من جهة، وإسرائيل من جهة أخرى.
فالاعتداء تجاوز البعد الفلسطيني التقليدي للصراع، لينتقل إلى استهداف مباشر لدول وسيطة، ما قد يدفع نحو:

  1. إعادة تقييم مسار التطبيع العربي–الإسرائيلي.
  2. تعزيز التنسيق الدفاعي العربي–الإسلامي.
  3. زيادة الضغوط السياسية والدبلوماسية على إسرائيل عبر المحافل الدولية.

سادساً: انعكاسات القمة على العلاقات الخليجية – الإسرائيلية:

مثّل الاعتداء الإسرائيلي على الدوحة اختباراً حساساً لمسار التطبيع الذي انطلق مع بعض دول الخليج في السنوات الأخيرة. وإذا كانت تلك العلاقات بُنيت على وعود متبادلة بالاستقرار والفرص الاقتصادية، فإن الهجوم الأخير حمل في طياته رسائل معاكسة تماماً:

  1. تآكل الثقة في إسرائيل كشريك استراتيجي: استهداف قطر – وهي دولة خليجية محورية – جعل من الصعب على دول المنطقة الوثوق بالالتزامات الإسرائيلية، خصوصاً مع اتساع رقعة الانتهاكات ضد المدنيين والبنية التحتية في غزة، والآن ضد سيادة دولة ذات مكانة دبلوماسية.
  2. إعادة حسابات التطبيع: بعض الدول التي وقّعت على اتفاقات سلام أو تعاون اقتصادي مع تل أبيب تجد نفسها الآن أمام حرج سياسي داخلي وضغوط شعبية متزايدة، مما قد يدفعها إلى تجميد أو مراجعة مستوى انخراطها في العلاقات مع إسرائيل.
  3. تقوية الموقف القطري خليجياً: التضامن الواسع مع قطر أعاد تسليط الضوء على دورها كفاعل أساسي في معادلات المنطقة، الأمر الذي قد يساهم في تعزيز تماسك الموقف الخليجي في مواجهة إسرائيل، أو على الأقل في دفع بعض العواصم إلى توخي الحذر في خطواتها المقبلة تجاه تل أبيب.
  4. إمكانية بروز جبهة خليجية أكثر تحفظاً: رغم أن بعض الدول لا تزال مترددة في اتخاذ خطوات عقابية، إلا أن الاعتداء الأخير قد يؤدي إلى تشكّل تيار خليجي أكثر تحفظاً تجاه إسرائيل، ما ينعكس على مستوى التعاون الأمني والاقتصادي مستقبلاً.
  5. انعكاسات على الاستراتيجية الإسرائيلية: من منظور إسرائيلي، فإن توسيع دائرة الصراع إلى الخليج قد يكون سلاحاً ذا حدين؛ إذ يمنح إسرائيل قدرة على إرباك الوسطاء، لكنه في الوقت ذاته يعرّضها لخسارة أهم مكسب دبلوماسي حققته في العقد الأخير وهو اتفاقات التطبيع الخليجية.

قراءة ختامية:

إن انعقاد القمة العربية الإسلامية في الدوحة لا يُعد فقط محطة تضامنية مع قطر، بل يشكل كذلك لحظة مراجعة عميقة لمسار التطبيع الخليجي–الإسرائيلي. فالعدوان الإسرائيلي الأخير أعاد طرح سؤال مركزي: هل يمكن الوثوق بشريك يخرق السيادة ويضرب عمق العواصم الخليجية؟
الإجابة عن هذا السؤال قد تحدد شكل العلاقات الإقليمية في المرحلة المقبلة، وربما تعيد رسم ملامح الخريطة الدبلوماسية والأمنية في الخليج لعقود قادمة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى