اغتيال الشيخ صالح حنتوس: كسر الصمت في اليمن وتعرية الوجه القمعي للحوثيين

المقدمة:
في الأول من يوليو 2025، هزّت محافظة ريمة اليمنية جريمة مروعة تمثلت في اغتيال الشيخ صالح أحمد حنتوس، أحد أبرز رموز التعليم الديني في المنطقة، على يد جماعة الحوثي المسلحة، في عملية عسكرية استخدمت فيها القوة المفرطة ضد مدني أعزل. لم يكن الشيخ حنتوس مجرد شخص؛ بل كان حاملًا لإرث تربوي وديني معتدل، يتولى تعليم القرآن الكريم منذ عقود، ويمثل ركيزة اجتماعية هادئة في قرية المعذب بمديرية السلفية.
تأتي هذه الجريمة ضمن سياق متصاعد من استهداف الحوثيين للرموز الدينية والتعليمية التي لا تنضوي تحت مشروعهم الأيديولوجي، في إطار سعيهم للهيمنة الفكرية والمجتمعية على المناطق الخاضعة لسيطرتهم. وقد أثارت الواقعة موجة واسعة من الإدانة المحلية والدولية، إذ وُصفت بأنها جريمة حرب مكتملة الأركان لما شابها من حصار، منع إسعاف، وقصف على منزل مدني.
إن توقيت الحادثة، وظروف تنفيذها، وردود الفعل المصاحبة لها، تؤشر إلى تحوّل مقلق في سلوك الجماعة الحوثية تجاه المجتمع المحلي، بما يعزز فرضية أن الجماعة باتت تنظر إلى كل شكل من أشكال الاستقلال الديني أو المجتمعي كتهديد وجودي لمشروعها.
يناقش هذا التقدير أبعاد حادثة الاغتيال من النواحي السياسية والاجتماعية والأمنية، ويحلّل تداعياتها المحتملة على جماعة الحوثي والمجتمع اليمني، ويضع توصيات استراتيجية لأطراف متعددة في المشهد اليمني.
أولًا: أبعاد حادثة الاغتيال.
1. البعد السياسي:
- تعكس الحادثة تحولًا خطيرًا في سلوك جماعة الحوثي من الإقصاء الناعم إلى التصفية الجسدية المباشرة للرموز غير المنخرطة في مشروعها العقائدي.
- تحمل العملية رسالة ردعية موجهة إلى كل شخصية دينية أو اجتماعية تفكر في الحفاظ على استقلالها الفكري، حتى دون انخراط سياسي.
- تؤشر على أزمة ثقة داخلية لدى الحوثيين، إذ إن استهداف شخصية مسنّة وغير مسلحة بهذه الوحشية يعكس خوفًا من رمزية “الرفض السلمي”.
- تمثل انتهاكًا صريحًا لمواثيق حقوق الإنسان الدولية، وتفتح الباب لتصنيف الحوثيين كجماعة إرهابية بناءً على سلوك منهجي لقمع المدنيين.
2. البعد الاجتماعي:
- الجريمة هزت النسيج المجتمعي في ريمة، التي كانت تاريخيًا محافظة على درجة من الحياد في الصراع اليمني.
- مقتل الشيخ، الذي عُرف بتدريسه للقرآن والتزامه بالوسطية، أيقظ الوعي الشعبي بخطورة المشروع الحوثي، مما قد يؤدي إلى تبدلات في المواقف الشعبية حتى في المناطق الريفية.
- المجتمع المحلي، الذي اعتاد احترام الرموز الدينية، تلقّى الحدث باعتباره إهانة جماعية للهوية القروية والدينية، ما يفتح الباب لحالة من الرفض الصامت، وربما تحركات لاحقة.
3. البعد الأمني:
- استخدام الحوثيين قوة نارية كبيرة ) عشرات الأطقم المسلحة وقذائف RPG ) ضد منزل رجل سبعيني، يرسل رسالة استعراضية هدفها إخضاع المجتمع بالقوة، ويكشف هشاشة السيطرة الحوثية في المناطق الداخلية.
- الحادثة قد تؤدي إلى ظهور خلايا مقاومة صغيرة أو مبادرات رد اعتبار قبلية، خصوصًا في ريمة ومحيطها.
- السلوك الأمني الحوثي هنا يتسم بالفوضى، ويغلب عليه الطابع الطائفي والمليشياوي لا المؤسسي، ما يضعف من قدرتهم على الحفاظ على “هيبة دولة” يدّعون تمثيلها.
ثانيًا: التداعيات المحتملة:
- الجريمة أشعلت موجة غضب كبيرة داخل اليمن؛ أهل ريمة والمجتمع المدني تحدثوا عنها كدليل على استهداف الحوثيين للرموز الدينية والتربوية لتكميم الأصوات المعارضة.
- ستمرت منظمة اليونسكو والأمم المتحدة ومنظمات حقوقية دولية بالضغط لوقف العنف. النقابة طالبت بتحرك دولي عاجل وضغط سياسي حاد.
- نداءات لتصنيف جماعة الحوثي كمنظمة إرهابية وردود فعل مستمرة من المجتمع الدولي نابعة من القمع الممنهج، خاصة ضد الكوادر التعليمية والدينية. وهذا قد يُفقدهم دعم سياسي أو اجتماعي.
- الحادثة تعطي مؤشرات على تصدّع الثقة بين القواعد المجتمعية في مناطق السيطرة وبين القيادة العليا.
- الحادثة تعطي فرصة لتعزيز الخطاب السياسي الحقوقي وتوسيع قاعدة الدعم المجتمعي في ريمة ومحيطها.
- الجريمة تفتح باب المطالبة مجددًا بتصنيف الحوثيين كجماعة إرهابية، خاصة لتكرار استهداف المدنيين والرموز الدينية.
- استهداف شيخ سبعيني ذو ثقل قبلي وروحي يُعدّ استفزازًا مباشرًا للقبائل والمجتمع التقليدي.
رابعًا: التقديرات المستقبلية.
- استمرار هذا النوع من التصعيد من طرف الحوثيين قد يدفع إلى نشوء مقاومة جديدة غير منظمة في مناطق كانت تُعتبر مستقرة تحت سيطرتهم.
- من المحتمل أن تلجأ الجماعة إلى حملات إعلامية لشيطنة الشيخ بعد وفاته لتبرير الجريمة أمام أتباعها.
- المجتمع الدولي سيستخدم هذا الحدث كوسيلة جديدة للضغط الحقوقي، خصوصًا في مجلس حقوق الإنسان.
خامسًا: التوصيات:
للشرعية اليمنية:
- تبني خطاب إعلامي ذكي يركز على رمزية الشيخ حنتوس كمربٍ ومعلم لا علاقة له بالسياسة.
- تحريك دعوى حقوقية دولية عبر منظمات كـ”هيومن رايتس ووتش” أو “العفو الدولية”.
- دعم أبناء ريمة سياسيًا وإعلاميًا لخلق بيئة مقاومة محلية مستنيرة.
للمجتمع المدني:
- توثيق الجريمة تفصيليًا بالصوت والصورة والشهادات.
- تنظيم حملات ضغط إلكترونية وإعلامية لتبني القضية كرمز لانتهاكات أوسع.
للمنظمات الدولية:
- مطالبة بفتح تحقيق أممي مستقل في الجريمة.
- دعوة لتفعيل آليات رصد جرائم الحرب في مناطق سيطرة الحوثيين.
خلاصة التقدير:
جريمة اغتيال الشيخ صالح حنتوس تمثل تحولًا مفصليًا في سلوك جماعة الحوثي، ليس فقط في استهدافها للخصوم، بل في محاولة إعادة صياغة المجتمع اليمني بالقوة والترهيب. الجريمة تحمل دلالات استراتيجية خطيرة وتفتح المجال أمام تغيّرات داخلية عميقة في بنية المجتمعات الواقعة تحت سيطرة الجماعة، إذا تم استثمارها بشكل مدروس من قبل الشرعية، والمجتمع المدني، والقوى الدولية.
المراجع: