شباب اليمن بين التهميش وسياسات الإقصاء

صرخة من أجل الشراكة والتغيير
المؤسسة العربية للدراسات الاستراتيجية
في لحظة فارقة من لحظات البحث عن مستقبل أفضل لليمن، انعقدت ندوة نوعية نظمتها المؤسسة العربية للدراسات الاستراتيجية، يوم الخميس الموافق 7 أغسطس 2025، تحت عنوان: “الشباب اليمني بين التغييب والمشاركة“، وذلك في القاعة الرئيسية للمؤسسة – إسطنبول. جاءت هذه الندوة وسط تحديات معقّدة يعيشها الشباب اليمني، ما بين تهميش داخلي، وتجاهل رسمي، وإقصاء سياسي طال أمده.
شهدت الندوة حضوراً لافتاً من نخبة من الباحثين والناشطين الشباب، إضافة إلى شخصيات فكرية وسياسية، جمعتهم رغبة صادقة في مناقشة الدور الغائب، والمطلوب، للشباب في إعادة بناء الوطن.
منذ لحظات الافتتاح، بدا واضحاً أن هذه الندوة لن تكون تقليدية. فقد حملت الجلسة الافتتاحية نبرة عالية من التحدي والمكاشفة، مؤكدة أن الوقت قد حان لفتح ملفات التهميش والإقصاء التي تعرّض لها الشباب اليمني لعقود، بدءًا من عهد ما قبل ثورة 2011، وصولًا إلى الراهن الذي اتسم بالمزيد من التغييب والخذلان.
في المحور الأول، تم تسليط الضوء على الواقع المأساوي الذي يعاني منه الشباب في اليمن، في ظل بنية تعليمية هشة، ومعدلات بطالة متصاعدة، وهجرة قسرية مستمرة، سواء في الداخل أو إلى الخارج. وعلى أن الإقصاء السياسي الذي يعاني منه الشباب لم يكن عارضًا، بل هو نهج متجذر، ساهمت فيه النخب التقليدية التي احتكرت القرار، وعجزت عن إفساح المجال أمام الطاقات الجديدة. المفارقة التي تم إثارتها كانت صادمة: “رغم أن ثورة 2011 كانت ثورة شبابية بامتياز، إلا أن نتائجها سُرقت، ولم يُمنح الشباب فرصة لصياغة مستقبلهم”.
أما المحور الثاني، فقد حمل رؤية أكثر نقداً، متناولاً الإمكانات الهائلة التي يمتلكها الشباب اليمني في حال تم تمكينه فعليًا. وتم الحديث عن أهمية ربط التعليم بسوق العمل، ودعم المشاريع الصغيرة، وإشراك الشباب في إعداد السياسات المحلية. كما ناقشت الورقة الفجوة القائمة بين شباب الداخل والخارج، وأثرها على وحدة الحراك الشبابي، مؤكداً أن بناء جسور تواصل فعالة بين الطرفين بات ضرورة وطنية لا تحتمل التأجيل.
ثم جاء المحور الثالث، حول الخطاب الإعلامي الرسمي، الذي وُصف بأنه خطاب مغترب عن الشباب، يعكس صورًا نمطية مشوهة، ويكتفي بتغطيات سطحية شكلية لا تمس جوهر القضايا. تم التنديد بضعف المحتوى الإعلامي الموجه للشباب، وبتجاهل الإعلام الرسمي لقضاياهم الوطنية، لا سيما في المهجر. كما طُرحت أسئلة جريئة حول أسباب فشل الإعلام الرسمي في مواجهة الخطاب الإعلامي المضاد، ومدى قدرته على استعادة ثقة الشباب.
في المحور الرابع، ناقشت الورقة الأداء الحكومي تجاه الشباب، خاصة في ظل الحرب المستمرة منذ 2014. تم التطرق إلى المبادرات الحكومية الأخيرة، مثل تدشين الخطة الوطنية لتمكين الشباب 2025–2030، والتي رأى البعض فيها خطوة جيدة، لكنها بحاجة إلى تنفيذ فعلي، وميزانيات حقيقية، وآليات شاملة تغطي جميع المحافظات. كما تم استعراض تجارب إيجابية محدودة في بعض المحافظات، لكنها لا تزال تفتقر للاستدامة والتأثير الواسع.
ولم يخلُ النقاش من استعراض تجارب شبابية صعبة، لاسيما لمن اضطروا إلى الهجرة، أو ممن زُجّ بهم في السجون، أو من وجدوا أنفسهم في ساحات القتال لأسباب اقتصادية أو أيديولوجية. وتحدثت مداخلات عن أن غالبية الشباب تحولوا إلى نشطاء على وسائل التواصل الاجتماعي، كبديل عن الغياب من الميدان، فيما يعاني شباب المهجر من ضعف القنوات المؤسسية التي تربطهم بوطنهم الأم.
ومع تفاعل المشاركين، خرجت الندوة بجملة من التوصيات الجوهرية، أبرزها:
- ضرورة إعداد وتنفيذ استراتيجية وطنية شاملة لتمكين الشباب في مختلف المجالات.
- إشراك الشباب في مراكز اتخاذ القرار، داخل الدولة والأحزاب والسلطات المحلية.
- إعادة تفعيل المؤسسات المعنية بالشباب كوزارة الشباب والرياضة والمجالس المحلية.
- دعم المبادرات الشبابية، والمشاريع الصغيرة، والابتكارات التكنولوجية.
- تطوير خطاب إعلامي وطني يخاطب الشباب بلغتهم، ويعكس تطلعاتهم.
- تعزيز الشراكة بين الدولة والمجتمع المدني لتنفيذ برامج شبابية فعالة.
- تفعيل المجالس والاتحادات الشبابية في الداخل والخارج.
- إطلاق منصات وشبكات تواصل شبابي تربط اليمنيين في الداخل بشباب المهجر.
- إشراك الشباب في العمل الدبلوماسي لتعزيز صورة اليمن في الخارج.
وفي ختام الندوة، شدد الحاضرون على أن الشباب ليسوا عبئًا على اليمن، بل هم رصيده الاستراتيجي الحقيقي. وأن أي خطة للنهوض لا تأخذهم في الحسبان، هي خطة فاشلة منذ بدايتها. كما تم التأكيد على ضرورة الانتقال من مرحلة الوعود والخطابات إلى سياسات فاعلة تُعطي للشباب مكانتهم الطبيعية كقادة للتغيير وصنّاع للمستقبل.
الرسالة الأخيرة التي خرج بها المشاركون كانت واضحة: “إذا تم تمكين الشباب بصدق، فإن اليمن سيتغير… وسينهض“.