آخر الأخبارتقدير موقفقضايا راهنة
أخر الأخبار

الحوثي بين الاختراق الاستخباراتي ورسائل الردع الإسرائيلي

خلفية الحدث:

نفّذت إسرائيل ضربة جوية دقيقة على صنعاء مساء الخميس 28 أغسطس/آب 2025، استهدفت اجتماعًا حكوميًا للحوثيين. أكّد الحوثيون مقتل رئيس حكومة صنعاء أحمد غالب الرهوي وعددٍ من الوزراء، وهي أول مرة تُغتال فيها قيادات حكومية حوثية منذ بدء الغارات الإسرائيلية على اليمن في يوليو/تموز 2024.  وقد أظهرت مراسم التشييع في صنعاء (1 سبتمبر) مشاركةً واسعة وتعهدًا بـ“الانتقام”، فيما ظلّ عدد الضحايا النهائي وأسماؤهم الكاملة غير مُعلنة رسميًا من جانب الجماعة حتى الآن، مع تسريبات عن سقوط وزراء آخرين.

كيف استطاعت إسرائيل الوصول إلى هذا الهدف النوعي؟

المؤشرات العملياتية ترجّح مزيجًا من:

  1. اختراق استخباراتي لرصد مواعيد ومكان الاجتماع.
  2. انعقاد عددٍ كبير من الصفّين الأول والثاني في توقيت واحد خلق “هدفًا مركبًا عالي القيمة بالنسبة لليهود”.
  3. نمط الضربات السابقة ركّزت على البنية التحتية طوال عامٍ مضى؛ مما عزّز لدى الحوثيين “انطباع أمانٍ زائف” تجاه الاجتماعات الحكومية الكبيرة داخل مناطق مكتظة.
  4. محدودية تدابير الحجب الإلكتروني داخل قاعات الاجتماعات، واحتمال تتبّع تجهيزات الاتصالات والمواكب.

التحولات الاستراتيجية بعد الاغتيال.

الضربة تنقل إسرائيل من استهداف منصّات وقدرات إلى استهداف رأس الهرم السياسي التنفيذي في صنعاء؛ هذا يرفع كلفة الانخراط الحوثي ويقصد إحداث “صدمة قيادية” لفرملة وتيرة الهجمات الصاروخية/البحرية.  بالمقابل، ثبات الخطاب الحوثي وتعهدات الردّ وإسناد غزة مستمرة؛ مما يعني أنّ الردع لن يكون أحاديّ الاتجاه، بل سيتحوّل إلى دورة قصاص مضاد مع توسيع بنك الأهداف المتبادلة.  كما أن مقتل رئيس الحكومة وعددٍ من الوزراء يُحدِث فراغًا تنسيقيًا مؤقتًا بين المستويين السياسي والعسكري، وإن كانت القدرات الميدانية (منصات الإطلاق، وحدات المسيرات، منظومات السواحل) ليست مرهونة بأشخاص بعينهم. تعيين محمد أحمد مفتاح بسرعة يهدف إلى امتصاص الصدمة وإظهار تماسك إداري.

كما أنه من المرجّح تشديد بروتوكولات الأمن المؤسسي,  والعمل على تفكيك الاجتماعات الكبيرة، وحظر الأجهزة داخل القاعات، وتدوير أماكن/أوقات الانعقاد، وإطالة سلاسل التدقيق.

على طار مسرح البحر الأحمر وسلاسل الإمداد بعد الاغتيال، سُجِّل استهداف ناقلة مملوكة لإسرائيليين؛ مما يوحي بأن الممرّ البحري سيظلّ ساحة الردّ الأقرب والأقل مخاطرة مقارنة بضربات بعيدة المدى داخل فلسطين المحتلة. هذا يُبقي أقساط التأمين والمخاطر اللوجستية مرتفعة، ويُصعّب مساعي التهدئة التجارية.

تأثيرات متوقّعة على المدى القريب:

  1. تكثيف الضغط البحري: صواريخ كروز/مُسيّرات على سفن “مرتبطة” بإسرائيل أو داعميها، مع انتقاء أهداف خارج نطاق الغطاء البحري الغربي حين يكون ذلك ممكنًا.
  2. رشقات مُسيّرات/صواريخ نحو إيلات والنقب لتحقيق أثرٍ سياسي/إعلامي حتى لو كان الاعتراض عاليًا.
  3. تصعيد سيبراني/حرب نفسية يستهدف جمهورًا أو بنى خدمية “رخوة” لتحقيق تأثيرٍ غير مكلف.
  4. إذا كرّرت إسرائيل نمط “اصطياد القيادات” في صنعاء خلال أسابيع، قد نتجه إلى تدوير مستمر للرؤوس القيادية وما يرافقه من تشققات أمنية داخلية وحملات تطهير/تحقيقات، مع أثرٍ تراكمي على الأداء المؤسسي.
  5. في المقابل، ردٌّ نوعي خارج البحر الأحمر (نقطة/داخل إسرائيل أو على مراكز حساسة) سيرفع احتمالات توسيع بنك الأهداف الإسرائيلية داخل اليمن، وربما انخراطًا غربيًا أوضح ميدانيًا في مسرح اليمن.

موقف الحكومة الشرعية من الضربة الاسرائيلية:

حتى الآن، لا يوجد موقف رسمي معلن بشكل واضح من الحكومة الشرعية حول عملية اغتيال رئيس وزراء الحوثيين وعدداً من وزراء حكومتهم. لكن من خلال تحليل المواقف السابقة يمكن قراءة الموقف كالآتي:

  • غالبًا ستتجنب الحكومة الشرعية إصدار موقف صريح، لكونها لا تريد أن تظهر وكأنها تؤيد اغتيالات داخلية قد تُفسَّر بأنها خدمة مجانية لإسرائيل.
  • من ناحية عملية، إضعاف القيادة الحوثية يُعتبر فائدة للشرعية لأنها تواجه خصمًا أقل تماسكًا، لكنه مكسب لا تستطيع المجاهرة به سياسيًا أو إعلاميًا.
  • الشرعية تحرص على تجنب التورط في صراع إقليمي مباشر بين الحوثيين وإسرائيل، وتُبقي خطابها مركزًا على الصراع الداخلي مع الحوثي.

موقف السعودية من الضربة:

الموقف السعودي يمكن قراءته من خلال ما يلي:

  • الرياض لا تمانع إضعاف الحوثيين، لكنها لا تريد أن يظهر المشهد وكأن إسرائيل باتت لاعبًا مباشرًا في الساحة اليمنية، لأن ذلك يعقد ملفات التفاوض والتهدئة.
  • المملكة والتحالف يفضلان تركيز الرواية الإعلامية على أن الحوثيين هم المعتدون (عبر ضرباتهم على البحر الأحمر)، دون الدخول في مباركة أو تبني عمليات اغتيال من هذا النوع.
  • السعودية تسعى في هذه المرحلة إلى تثبيت التهدئة مع الحوثيين لتأمين حدودها، وبالتالي أي تصعيد إسرائيلي قد يربك هذه التفاهمات، وهو ما يجعل موقفها يتسم بالتحفظ.

الشرعية والتحالف ينظران إلى العملية كـ “مكسب استراتيجي غير معلن” ضد الحوثيين، لكن من غير المتوقع أن يظهرا تأييدًا مباشرًا لها، حفاظًا على توازن الخطاب السياسي وتجنب الانجرار إلى صراع علني بين الحوثيين وإسرائيل.

السيناريوهات المحتملة

بناءً على التحليل، يمكن وضع ثلاثة سيناريوهات رئيسية لمسار الصراع في المدى القريب والمتوسط:

  • السيناريو الأول: استمرار “دورة القصاص المتبادل” وهوسيناريو مرجح خاصةً وأن الموقف الاستراتيجي للحوثيين الداعم لغزة لن يتغير، بل سيزداد إصرارهم على الرد. لكن ردودهم ستكون محسوبة ومحدودة، تركز بشكل أساسي على تكثيف الضغط البحري عبر استهداف مزيد من السفن المرتبطة بإسرائيل أو حلفائها في البحر الأحمر. قد تشمل الردود أيضاً شن رشقات من الصواريخ والمسيّرات نحو مناطق إسرائيلية مثل إيلات والنقب، بهدف تحقيق أثر إعلامي وسياسي دون إحداث خسائر كبيرة قد تستدعي ردًا إسرائيليًا واسع النطاق. في نفس الوقت ستستمر إسرائيل في استهداف نقاط حوثية حساسة، مما يكرس “دورة انتقام” بين الطرفين.

والنتيجة هو بقاء التوتر في البحر الأحمر وسلاسل الإمداد مرتفعًا، وتجديد التقييمات الأمنية لدى الطرفين، مع تجنب الدخول في مواجهة شاملة ومباشرة.

  • السيناريو الثاني: التصعيد الواسع (الأكثر خطورة), وهذا السيناريو يمكن حدوثه إذا قرر الحوثيون تنفيذ رد نوعي يتجاوز نطاق البحر الأحمر، مثل استهداف منشأة حساسة أو هدف عسكري داخل إسرائيل أو في أي من مصالحها الحيوية خارج فلسطين المحتلة. أو قد يحدث إذا كررت إسرائيل استراتيجية “اصطياد القيادات” في صنعاء بشكل متواصل. هذا التصعيد سيُفسَّر على أنه تجاوز للخطوط الحمراء.
  • السيناريو الثالث: التهدئة المضبوطة (الأقل ترجيحاً)، في هذا السيناريو، يمتص الحوثيون “الصدمة القيادية” بسرعة، ويكتفون برد رمزي ومحدود لا يستفز إسرائيل بشكل كبير. تُدخل السعودية والحكومة الشرعية في مفاوضات غير مباشرة للحد من التداعيات، مما يؤدي إلى عودة الضغط الدولي على الأطراف لتركيز الجهود على حل سياسي للصراع اليمني الداخلي بعيدًا عن الصراع الإقليمي.

التوصيات الاستراتيجية

بناءً على السيناريوهات المذكورة، يمكن تقديم التوصيات التالية للأطراف الفاعلة:

  • للحوثيين:
    • الأمن الداخلي: يجب إعادة النظر بشكل جذري في البروتوكولات الأمنية وتفكيك الاجتماعات الكبيرة لتقليل احتمالية تكرار مثل هذه الضربات.
    • الرد الاستراتيجي: ينبغي أن يكون الرد محسوباً، مع التركيز على استراتيجية “الضغط البحري” التي أثبتت فعاليتها دون التورط في تصعيد شامل قد يفتح الباب لضربات موجعة على الأرض.
  • لإسرائيل:
    • تقييم التكلفة: يجب على إسرائيل تقييم ما إذا كانت استراتيجية “اصطياد القيادات” ستُحقق أهدافها على المدى الطويل أم ستُفضي إلى تصعيد غير مرغوب فيه.
    • تجنب الانجرار: ينبغي على القيادة الإسرائيلية أن تكون مستعدة للردود الحوثية مع الحرص على عدم الانجرار إلى مواجهة واسعة قد تؤدي إلى تورط غربي مباشر يُعقد الموقف.
  • للحكومة الشرعية والتحالف العربي (السعودية):
    • استغلال الموقف: يمكن استغلال ضعف الحوثيين الداخلي الناتج عن الاغتيال لدفع مسارات سياسية جديدة، وربما إضعافهم على الأرض.
    • الحفاظ على التهدئة: من الضروري الحفاظ على التهدئة مع الحوثيين لتأمين الحدود، وتجنب أي تصعيد إقليمي قد يُعرقل هذا المسار، مع الحفاظ على مسافة سياسية من الصراع الإسرائيلي-الحوثي.
  • للمجتمع الدولي:
    • الضغط على الأطراف: يجب على القوى الكبرى والمنظمات الدولية ممارسة ضغط مكثف على الأطراف كافة لوقف التصعيد وضمان سلامة الملاحة الدولية في البحر الأحمر.
    • دعم الحل السياسي: يجب تكثيف الجهود لدعم الحل السياسي الشامل في اليمن، باعتباره السبيل الوحيد لإنهاء حالة عدم الاستقرار التي تسمح للحوثيين بالتورط في صراعات إقليمية أوسع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى