توحيد السردية الإعلامية اليمنية واستعادة صوت الدولة

ندوة فكرية في إسطنبول تدعو إلى توحيد السردية الإعلامية اليمنية واستعادة صوت الدولة
إسطنبول – المؤسسة العربية للدراسات الاستراتيجية
في لحظة فارقة من تاريخ اليمن، اجتمع نخبة من الباحثين والإعلاميين والمفكرين في ندوة نقاشية موسعة حملت عنوان:
“سردية الأحداث في اليمن على وسائل الإعلام في الخارج “
نظمتها المؤسسة العربية للدراسات الاستراتيجية بالتعاون مع منصة أثير ومركز بعد الإعلامي، وتحت رعاية الجالية اليمنية. في إطار مساعيها لإعادة بناء الوعي الوطني واستعادة الرواية اليمنية من بين ركام التشتت والانقسام.
الإعلام… مرآة اليمن وصوته المفقود
أكد المشاركون في مداخلاتهم أن الإعلام يمثل مرآة اليمن في الخارج، غير أن هذه المرآة اليوم مكسورة، تعكس صورًا متناقضة ومتباينة بسبب غياب الدولة وتعدد الولاءات السياسية والمناطقية.
وأشار المتحدثون إلى أنه “لا يمكن أن تتوحد السردية في ظل غياب الشرعية، ولا يمكن أن يلتئم الخطاب الوطني ما لم تُستعد مؤسسات الدولة”.
وشددت الندوة على أن السردية اليمنية ليست دعاية سياسية، بل مشروع وطني جامع يستند إلى مفاهيم السيادة والعدالة والمواطنة، وأن توحيد الخطاب الإعلامي بات ضرورة لإنقاذ الصورة اليمنية في الإعلام الخارجي، حيث أصبحت اليمن تُروى بأصوات الآخرين، بينما غاب الصوت الوطني الجامع.
أسباب تفكك السردية الوطنية:
رصدت الندوة أبرز الأسباب التي قادت إلى تفكك الخطاب الإعلامي اليمني، وفي مقدمتها:
- الانقسام السياسي والتباين في المواقف بين القوى المناهضة للحوثي.
- التبعية الإعلامية لجهات تمويل مختلفة، مما أفقد الرسالة استقلالها.
- اختلاف المصطلحات والمفاهيم بين الوسائل الإعلامية.
- غياب القانون والإطار التنظيمي للعمل الإعلامي في ظروف الحرب.
- انقلاب الحوثيين على المؤسسات الإعلامية الرسمية وما تبعه من تفكك داخلي.
وأكد المتحدثون أن اليمن اليوم تفتقر إلى تحليل علمي ممنهج للخطاب الإعلامي يمكن من خلاله ضبط الاتجاه وتصويب الرسالة.
الإعلام الرسمي… بين المسؤولية والقيود
سلّطت الندوة الضوء على واقع الإعلام الحكومي اليمني وما يواجهه من تحديات متعددة، أبرزها انقسام المؤسسات بين مناطق السيطرة، وضعف التمويل، وغياب القيادة الميدانية داخل البلاد، فضلاً عن الفجوة الواسعة بين الإعلام الرسمي والجمهور.
ورغم ذلك، أُشيد بجهود وزارة الإعلام في الحفاظ على الثوابت الوطنية، وسعيها الدائم لتوحيد الخطاب ضمن رؤية وطنية تضع العدو الحوثي في مركز المعركة، بعيدًا عن المناكفات الجانبية.
كما أكدت المداخلات أن الإعلام الرسمي بحاجة إلى إعادة هيكلة شاملة وتحديث للبنية الرقمية، والانتقال من الإعلام التبريري إلى الإعلام التفاعلي المنتج للرواية الوطنية.
السرديات المتعددة حول اليمن
استعرض المشاركون المشهد الإعلامي الإقليمي والدولي، الذي تتعدد فيه السرديات حول اليمن:
- السردية الإنسانية الغربية: تركّز على المأساة وتتجاهل جذور الانقلاب.
- السردية الحوثية – الإيرانية: تقدم الميليشيا كحركة “مقاومة”.
- السردية الخليجية الرسمية: تربط الحرب بالمشروع الإيراني، مع إغفال البعد اليمني الداخلي.
ودعت الندوة إلى تبنّي السردية الوطنية المنشودة التي توضح أن الحرب في اليمن ليست أهلية، بل انقلاب ميليشياوي على الدولة والجمهورية، وأن المعركة الحقيقية هي بين مشروع الدولة ومشروع السلالة، ولا سلام دون إنهاء الانقلاب ونزع سلاح الميليشيا.
الإعلام اليمني في الخارج… التحديات والفرص
توقف المتحدثون عند واقع القنوات اليمنية العاملة من إسطنبول (بلقيس، يمن شباب، المهرية)، مشيرًا إلى أنها تمثل “الإعلام المهاجر” الذي يعبّر عن صوت اليمنيين الأحرار، لكنها تواجه عراقيل بنيوية أبرزها غياب التنسيق المؤسسي والتنافس المحموم على الجمهور والتمويل.
وتم التأكيد إلى أن الانتقال من المنافسة إلى الشراكة يمثل الطريق الوحيد لبناء خطاب وطني جامع في الخارج، داعين إلى تأسيس غرفة عمليات إعلامية مشتركة، وميثاق شرف يحدد الثوابت الوطنية والمصطلحات المشتركة.
آليات النهوض بالسردية الوطنية
اقترحت الندوة مجموعة من الخطوات العملية لإعادة بناء السردية اليمنية على أسس وطنية متينة، من أبرزها:
- إعادة هيكلة المؤسسات الإعلامية الحكومية وفق رؤية مهنية ووطنية موحدة.
- تمكين الكوادر وتأهيلها في مجالات إدارة السردية وصناعة الرسائل الإعلامية.
- تعزيز الشراكة بين الإعلام الرسمي والمستقل والمهاجر.
- تفعيل الإعلام الخارجي عبر السفارات والملحقيات الثقافية.
- إنشاء وحدة للرصد والتحليل المضاد لمواجهة الدعاية الحوثية والإيرانية.
- إنتاج محتوى رقمي حديث بلغات متعددة يخاطب الرأي العام الدولي.
توصيات الندوة
اختُتمت الندوة بعدد من التوصيات العملية التي تمثل خريطة طريق لتوحيد السردية اليمنية:
- توحيد الخطاب الإعلامي حول الثوابت الوطنية الكبرى: الجمهورية، الوحدة، المواطنة المتساوية، والحرية.
- إطلاق ميثاق شرف إعلامي يُلزم جميع الوسائل اليمنية بخطاب وطني جامع.
- تأسيس مركز وطني للتنسيق الإعلامي يجمع وسائل الإعلام الرسمية والأهلية والمهاجرة.
- توحيد المصطلحات الإعلامية المعتمدة في وصف الأحداث والفاعلين السياسيين.
- التحول من ردّ الفعل إلى الفعل الإعلامي المنظم القادر على صناعة الرواية الوطنية والتأثير في الخارج.
- اعتبار معركة الإعلام معركة وعيٍ وسردية لا تقل أهمية عن معركة السلاح.
خاتمة
أكدت الندوة في بيانها الختامي أن من يمتلك الرواية يمتلك التأثير، ومن يمتلك التأثير يمتلك نصف النصر، مشددة على أن معركة اليمنيين اليوم ليست فقط على الأرض، بل في فضاء الكلمة والصورة والوعي.
وأن إعادة بناء الإعلام اليمني على أسس وطنية مهنية ليست ترفاً فكرياً، بل ضرورة وجودية لاستعادة الدولة، وصون الهوية، وإعادة اليمن إلى مكانته اللائقة بين الأمم.




