آخر الأخبارأخبارإحاطة بالحدثبرامج وأنشطةتقدير موقفتقييم حالةقضايا راهنةندوات

سوريا بين تحديات الواقع واستشراف المستقبل , ندوة تبحث التحولات السورية الراهنة

اسطنبول – 17 أيار/مايو 2025

نظّمت المؤسسة العربية للدراسات الاستراتيجية بالتعاون مع مؤسسة مدى للرؤية الاستراتيجية، ندوة فكرية متخصصة بعنوان: “سورية في مفترق التحولات: قراءة استراتيجية في التحديات والفرص”، بمشاركة نخبة من الباحثين والسياسيين والخبراء في الشأن السوري والعلاقات الدولية، إضافة إلى حضور واسع من الأكاديميين والسياسيين والإعلاميين.

جاءت الندوة في توقيت بالغ الأهمية، حيث تقف سورية على أعتاب مرحلة جديدة، محاطة بتعقيدات داخلية وتجاذبات إقليمية وتحولات دولية عميقة، ما يفرض الحاجة إلى قراءات معمقة ومقاربات استراتيجية بعيدة عن الحلول التقليدية.

ثلاثة محاور استراتيجية ترسم المشهد السوري

أولاً: الواقع السوري الراهن… بانوراما التحولات والتحديات.

ناقش المشاركون في هذا المحور التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها البلاد، مؤكدين أن سورية لا تزال تعيش في مرحلة “ملء الفراغ”، مع تدهور مستمر في الأوضاع المعيشية، وانعدام أفق سياسي واضح، وتنامي الهشاشة المجتمعية نتيجة النزوح والانقسام وفقدان الثقة بمؤسسات الدولة.

وأشار المتحدثون إلى أن البنية الإدارية تعاني من فجوة كبيرة بين القيادات العليا والقاعدية، وسط غياب الكفاءة والخبرة لدى القائمين على السلطة، وتراجع ثقافة الاستعانة بالمستشارين والخبراء. كما لفت المتحدثون إلى أن القوى السياسية التي أدارت إدلب هي ذاتها التي تدير المشهد السوري حاليًا، دون إحداث أي تغيير حقيقي في طبيعة العمل السياسي.

وفي البعد الاجتماعي، لا تزال البلاد تعيش ذهنية الثورة ولم تنتقل بعد إلى مشروع بناء الدولة، وسط غياب تام لأي خطوات جدية في مسار العدالة الانتقالية.

ثانيًا: سوريا والجوار الإقليمي… خريطة النفوذ والتجاذبات

ركز المحور الثاني على تحليل خارطة التداخل الإقليمي والدولي في الشأن السوري، خاصة في ظل التقارب العربي الأخير مع النظام. وتطرقت المداخلات إلى أدوار كل من إيران وتركيا وروسيا، إضافة إلى التوازنات الجيوسياسية الجديدة في المنطقة.

ورأى المشاركون أن غياب الرد السوري على الاعتداءات الإسرائيلية يعكس التوجه الحالي للدولة في توجهها نحو بناء الدولة، مقابل محاولات امتصاص هذه التدخلات وتحييد النظام الإسرائيلي للقيام بأدوار تخريبية.

كما تم التأكيد على أن سورية لم تعد فقط قضية داخلية، بل أصبحت مفتاحًا إقليميًا يهمّ القوى الكبرى، مع سعي الجميع إلى تحويلها إلى نقطة ربط جيوسياسي في الشرق الأوسط.

ثالثًا: استشراف المستقبل السوري… بين الواقع والفرص

تناول هذا المحور تصورات الخبراء حول مستقبل الدولة السورية، حيث اعتُبر الانتقال إلى نموذج الدولة عملية معقدة تتطلب وقتًا وموارد وخيارات شجاعة. وأجمع المشاركون على أن المرحلة القادمة ليست مرحلة صدام، بل مرحلة بناء اقتصادي ومؤسسي، مع وجود توجه رسمي نحو دمج عناصر من القوى الثورية والمجتمع المدني، والاستفادة من خبرات الشباب السوري في الخارج.

وفي نظرة أوسع، حذّر بعض المتحدثين من أن الصراع داخل المنظومة الغربية قد يلقي بظلاله على الشرق الأوسط، مما يستدعي تكثيف التعاون العربي وإعادة بناء شبكات شراكة إقليمية تكون سورية في قلبها.

قضايا بارزة طُرحت للنقاش: الصفقات الاقتصادية الجارية بعيدًا عن رقابة المؤسسات التشريعية، هشاشة المجتمع المدني وتهميشه، غياب الشفافية، طبيعة التنازلات التي يقدمها النظام ضمن ترتيبات ما بعد الحرب، الحاجة إلى إصلاح جذري في آليات الحوكمة ومأسسة الدولة.

توصيات الندوة:

  1. تأسيس مراكز بحثية مستقلة لإعداد دراسات علمية عن الواقع السوري ورسم السياسات العامة.
  2. تفعيل العدالة الانتقالية وفتح ملفات المصالحة المجتمعية كمدخل لبناء الثقة.
  3. الاستفادة من الكفاءات السورية في الخارج ضمن مشاريع إعادة الإعمار والإصلاح المؤسسي.
  4. تعزيز الشفافية والرقابة التشريعية في إدارة الصفقات والاستثمارات.
  5. دعم المجتمع المدني ليكون شريكًا حقيقيًا في إعادة بناء الدولة.
  6. تبنّي رؤية عربية موحدة تستند إلى دور سورية المحوري في المنطقة، بعيدًا عن التجاذبات الخارجية.

خاتمة: سورية إلى أين؟

خلصت الندوة إلى أن سورية لا تزال تعيش حالة “بين بين”، فهي لم تتعافَ من تبعات الخراب الحاصل في الدولة على مستوى البنية التحتية والمؤسسية، ولم تبدأ بعد مشروع إعادة البناء الجاد. التحديات كبيرة، لكن الفرص موجودة، شرط أن يتم توظيفها بعقل استراتيجي وبمشاركة وطنية حقيقية تضع الإنسان في قلب المشروع السوري القادم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى