تحولات القضية الجنوبية بعد التدخل العسكري للتحالف العربي في اليمن

برزت القضية الجنوبية عام 2007، كواحدة من أبعاد أزمة وطنية شاملة أخذت في التصاعد منذ عام 2000، نتيجة سعي النظام السياسي آنذاك للاستفراد بالسلطة واتخاذ القرار، وإقصاء المكونات السياسية والجغرافية والاجتماعية، وقد ساهمت متغيرات كثيره في استفحال هذه القضية، وتزايد أنصارها والفصائل السياسية الحاملة لها، والمعبرة عنها.
ومع اندلاع الثورة الشعبية الشبابية في فبراير 2011، كانت القضية الجنوبية قد تحولت إلى قضية وطنية، تتصدر أولويات الاهتمام لدى القوى والنخب السياسية والاجتماعية، وقد قدم شباب الثورة إطارا مختلفا للتعامل مع هذه القضية، وطالبوا بإعطائها الأولوية في التعاطي و المعالجة، وبالفعل فقد أنفذت السلطة الانتقالية التي يقودها رئيس ينتمي للمحافظات الشرقية والجنوبية جملة من السياسات والمعالجات، كما تم عقد مؤتمر الحوار الوطني الشامل، وكان الهدف الرئيسي له، هو مناقشة الأزمات التي تعاني منها البلاد وإيجاد الحلول الجذرية لها بما يوفر للبلاد الاستقرار والسلام.
وكانت القضية الجنوبية على رأس القضايا التي ناقشها مؤتمر الحوار الوطني الشامل، وأخذت منها جهداً ووقتاً كبيراً، وانتهت القرارات الرئيسية إلي توفر معالجات جذرية وشاملة لهذه القضية، وفيما كانت الفرصة مهيأة لحل هذه القضية، اخذت التطورات السياسية والأمنية مسارا أخر بعد سيطرة الحوثيون على العاصمة صنعاء وعدد من المناطق في 21 سبتمبر 2014.
وفي مواجهة ذلك، أعلنت المملكة العربية السعودية في صباح يوم 26 مارس 2015م، عن تحالف عسكري عربي بقيادتها، وشنت عملية عسكرية سميت بـ”عاصفة الحزم” هدفت إلى إنهاء انقلاب الحوثيين، واستعادة سلطات الدولة الشرعية بقيادة الرئيس “عبدربه منصور هادي” الذي أعطى غطاء قانونياً للتدخل.
ومع أن الهدف الرئيس والمعلن لتلك العملية العسكرية هو انهاء التمرد وعودة السلطة الشرعية، فقد مضت عملية التدخل العسكري في مسارات وتعرجات مختلفة وافضت الى تحولات ونتائج مخالفة، اثرت بشكل كبير على مجمل الأوضاع العسكرية والسياسية والاقتصادية في اليمن، وبشكل أخص في المحافظات الجنوبية والشرقية.
افضت أبرز تلك التطورات عن تشكيل كيانات عسكرية وسياسية خارج بُنية المؤسسات السياسية والعسكرية والأمنية للدولة، وعلى حسابها، ترفع مطالب الانفصال وإعادة التشطير، وتسيطر من الناحية الفعلية على مدينة عدن وعدد من المحافظات وأجزاء من المحافظات الجنوبية والشرقية، كما افضت في الشهور الأخيرة عن تحولات مغايرة، فقد تم نقل السلطة من الرئيس “عبدربه منصور هادي” إلى مجلس انتقالي “مجلس القيادة الرئاسي” وتم السماح بعودة السلطات الشرعية لممارسة أعمالها في عدن، وهو ما يجعل دراسة المسارات المحتملة للأوضاع في اليمن والمحافظات الجنوبية والشرقية في ضوء التداعيات التي أوجدها التدخل العسكري لدول التحالف العربي؟ أمر شديد الأهمية.
وبناء عليه تم تقسيم الدراسة إلى أربعة فصول، يتناول الأول منهم قضية الوحدة وأزمة القيادة والحرب، ويتتبع الثاني: مسار القضية الجنوبية بعد حرب 1994م، فيما يستعرض الفصل الثالث مسار القضية الجنوبية بعد ثورة 2011م، ويحلل الفصل الرابع تحولات القضية الجنوبية بعد عاصفة الحزم.