مستقبل تحرير صنعاء في ضوء الهجمات الأمريكية ضد جماعة الحوثي

الكاتب / أنور الخضري
تشكِّل الضربات والهجمات الأمريكية ضدَّ الحوثيين عاملًا مؤثِّرًا على قدرات الحوثيين العسكرية، والتي مثَّلت أساسًا
لتفوُّقهم على خصومهم طيلة سنوات الحرب العشر الماضية؛ وعليه فإنَّ هذه الضربات ستعيد صياغة موازين القوى في الساحة اليمنية، وهذا بدوره سيدفع إلى رسم حدود جديدة للنفوذ بين القوى والأطراف المتصارعة، إن على مستوى الداخل اليمني أو على صعيد الدول المنخرطة في الصراع اليمني.
وإذا كانت الضربات الإسرائيلية الحاسمة والموجعة التي وجِّهت إلى “حزب الله” اللبناني، داخل لبنان وعلى الساحة السورية، قد أتاحت الفرصة للقوى الثورية السورية المسلَّحة لاستغلال حالة الاختلال التي نشأت عن ذلك، ومهَّدت لها الطريق للتقدُّم نحو العاصمة السورية (دمشق)، فإنَّ ذات السيناريو قد يتكرَّر في اليمن، في ظلِّ تربص أطراف عديدة بجماعة الحوثي، والتي تمثِّل مستوى أدنى مِن الدولة، إذ هي فاقدة للشرعية الدستورية والاعتراف الدولي والقبول المجتمعي (خلافًا لنظام الأسد في سوريا).
هذه الورقة تحاول عرض سياق الضربات العسكرية الأمريكية ضدَّ الحوثيين، وما قد يتمخَّض عنها مِن آثار على الجماعة، واستشراف مستقبل العاصمة اليمنية (صنعاء) في ظلِّ تطلُّع الأطراف اليمنية المتصارعة مع جماعة الحوثي إلى تحريرها.
انعكاسات العمليَّات العسكرية الأمريكية على جماعة الحوثي:
في 19 مارس الماضي، توعَّد الرئيس الأمريكي، “دونالد ترامب”، جماعة الحوثي بـ”القضاء عليهم تمامًا”، حيث نشر على منصَّته “تروث سوشال” أنَّ “أضرارًا كبيرة لحقت بالهمجيين الحوثيين”، وأنَّ “الوضع سيتدهور تدريجيًّا”، وأنَّه “سيتمُّ القضاء عليهم تمامًا”[1]. وكانت اليمن شهدت، منذ منتصف شهر مارس، هجمات أمريكية متصاعدة، شملت كلًّا مِن: العاصمة صنعاء، والحديدة، وصعدة، والبيضاء، وذمار، ومأرب، والجوف؛ واستهدفت الضربات الجوية مطارات وموانئ، ومخازن سلاح ومعسكرات، ومصافي وخزَّانات نفط، ورادارات ودفاعات جوِّية، ومنظومات اتِّصال، وأنظمة صواريخ بالستية، وطائرات مسيَّرة، وقواعد إطلاق، ومعامل تصنيع، وتجمُّعات قتالية، ومراكز قيادة، إضافة إلى استهداف خطوط الإمداد بمزيد مِن الرقابة والحصار. وقد نتج عن هذه الضربات مقتل قرابة (80) ضابطًا عسكريًّا حوثيًّا -وفقًا لمحلِّلين[2]؛ ذلك أنَّ الحوثيين لا يعلنون بشكل واضح عن خسائرهم البشرية حتَّى اللحظة.
وتعدُّ الهجمات الجوِّية والبحرية الواسعة النطاق، والتي شنَّتها القوَّات الأمريكية منذ 15 مارس الماضي، على مناطق سيطرة الحوثيين، أقوى عمليَّة عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط منذ تولِّي “دونالد ترامب” إدارة البيت الأبيض. حيث وجَّه “ترامب” تهديدًا شديد اللهجة للحوثيين، قبيل انطلاق العمليَّة، مطالبًا إيَّاهم بالتوقُّف عن هجماتهم، وواصفًا إيَّاهم بـ”الإرهابيين”، وأنَّه في حال لم تتوقَّف هجماتهم فسينهال عليهم “الجحيم كما لم تروه مِن قبل”، وأنَّه سيستخدم “القوَّة المميتة الساحقة”، قائلًا لهم: “لقد انتهى وقتكم”[3].
وكشفت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، عن قيام إدارة “ترامب”، بتخفيف القيود المفروضة على تنفيذ الضربات الجوِّية، والعمليَّات العسكرية خارج مناطق الحرب التقليدية، في إطار ما تُعرف بحملات “مكافحة الإرهاب”. ونقلت الصحيفة، عن مصادر مطَّلعة، قولها: إنَّ هذه الخطوة قد تسمح بتوجيه ضربات تستهدف مشتبهين في تورُّطهم بأنشطة إرهابية، مع إمكانية توسيع نطاقها ليشمل دولًا مثل الصومال واليمن[4]. وتتزامن الضربات الجوِّية مع جملة مِن العقوبات الاقتصادية لتضييق الخناق على جماعة الحوثي، وتجفيف منابع الدعم المالي لعمليَّاتها العسكرية، وأبرزها حظر استيراد الوقود عبر ميناء الحديدة[5].
وقد صرَّحت، “تولسي غابارد”، مديرة الاستخبارات الوطنية الأمريكية، بأنَّ هجمات منتصف مارس نجحت في استهداف كبار قادة الحوثيين، وقالت: “تشير تقديرات أجهزة الاستخبارات إلى أنَّ هذه الغارات أسفرت عن مقتل كبار قادة الحوثيين، وتدمير العديد مِن المنشآت التي كانوا يستخدمونها لإنتاج الأسلحة التقليدية الحديثة”[6].
وتتفاوت أهداف هذه الضربات ما بين أجندات أمريكية تتعلَّق بالدفاع عن الكيان الصهيوني المحتل، وتأمين مصالحه الاقتصادية المرتبطة بالملاحة الدولية، إذ صرَّح وزير الدفاع الأمريكي، “بيت هيغسيث”، في 16 مارس الماضي، إنَّ بلاده لا تهتمُّ “بما يحدث في الحرب الأهلية اليمنية”، وأنَّ الأمر يتعلَّق “بوقف إطلاق النار على الأصول في هذا الممرِّ المائي الحيوي لإعادة فتح حرِّية الملاحة”[7]؛ وأجندات تتعلَّق بالملفِّ النووي الإيراني والمفاوضات الجارية بين واشنطن وطهران في هذا الشأن، والتي تأتي في وقت متزامن مع هذه الحملة العسكرية ضدَّ الحوثيين في اليمن. غير أنَّها، في المقابل، لا تُعنى كثيرًا بالصراع الدائر في اليمن، إلَّا بالقدر الضروري لأجنداتها هي.
ورغم ذلك، “ألمحت مصادر عسكرية أمريكية بإمكان أن تشارك الولايات المتَّحدة، بشكل محدود، في دعم القوَّات الحكومية اليمنية لشنِّ هجوم برِّي على مناطق سيطرة الحوثيين مِن محاور مختلفة، في الغرب والشرق والجنوب والوسط، وذلك بعد أن وصل الجميع تقريبًا إلى قناعة بأنَّه لا بديل عن الهجوم البرِّي لهزيمة الحوثيين وإنهاء سيطرتهم على العاصمة اليمنية صنعاء، ومينائها الرئيس الحديدة، ومعظم شمال البلاد”[8].
هذه الهجمات والضربات الواسعة، والتحرُّك مع الأطراف الإقليمية والداخلية في اليمن، سوف تدفع جماعة الحوثي إلى حالة مِن التوتُّر والارتباك، خصوصًا في ظلِّ المفاوضات الأمريكية الإيرانية، وشبح مصير “حزب الله” اللبناني، ونظام الأسد السوري، الذي يخيِّم على الذاكرة اللحظيَّة؛ وهو ما قد يقودها نحو مسار التهدئة وإعلان التوقُّف عن هجماتها على إسرائيل والملاحة البحرية المرتبطة بها، أو إلى تصعيد أعلى حدَّة في سبيل الدفاع عن الذات وتدعيم موقف الجانب الإيراني في المفاوضات الخاصَّة بالملف النووي. فما مِن مفرٍّ أمام هذا الخناق الشديد والضربات سوى التراجع أو الهروب للإمام.
جماعة الحوثي ورحى الحروب:
تعدُّ الحرب رحى طاحنة ضخمة، خصوصًا عندما يخوضها الضعفاء أمام القوى الكبرى؛ فطبيعة الأشياء أنَّ الحجم الكبير -كمًّا أو نوعًا أو كليهما معًا- يتغلَّب على ما هو أصغر مِنه، على صعيد الأشياء والأفكار والأشخاص (دولًا وجماعات وأفرادًا). وإذا كان صعود جماعة الحوثي المتسارع -منذ عام 2004م- يستند إلى ظروف خارجية أكثر مِنها ذاتيَّة فإنَّ تغيًّر هذه الظروف وتراجعها سيؤدِّي بالنتيجة إلى عودة الجماعة إلى حجمها الطبيعي، إذا لم تفقد ذلك الحجم نتيجة كسبها عداوات شتَّى ستعمل على الثَّأر والانتقام مِنها. فالجماعة خلال عقدين مِن الزمن مثَّلت أداة للصراع أكثر مِنها حاملًا موضوعيًّا لقضيَّة عادلة أو هويَّة مقبولة، فقد تمرَّدت على البيئة الزيدية الحاضنة واختارت الانحياز للمشروع الإيراني الذي أمدَّها بأسباب القوَّة لحساباته الخاصَّة وأجنداته الإقليمية. كما أنَّ استخدام الدول الإقليمية الخليجية، المعادية للثورات الشعبية والمعادية للإسلام السياسي، الجماعة لإفشال ثورة 11 فبراير الشعبية، ومواجهة “الإسلام السياسي”، دفع بها إلى مقدِّمة الصفوف لتكون قوَّة صاعدة، وقد يسَّر تحالفها مع الرئيس الأسبق، علي عبدالله صالح، وفلول نظامه الموالية له، ضرب القوى الوطنية المختلفة معها والمنافسة لها في المشهد العام. ورغم أنَّ الجماعة خاضت (6) حروب مع نظام “صالح”، منذ 2004م وحتَّى 2009م، إلَّا أنَّها وجَّهت ضرباتها، وهي تتَّجه إلى صنعاء، إلى قوى الثورة الشعبية، الحزبية (ممثَّلة في التجمُّع اليمني الإصلاح)، والقبلية (ممثَّلة في قبيلة حاشد وأبناء الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر)، والعسكرية (ممثَّلة في القوَّات المحسوبة على اللواء علي محسن الأحمر)، ما يشير إلى أنَّها كانت أداة أكثر مِنها قوَّة صاعدة تبحث عن تحالفات وشراكات إستراتيجية.
ومع تمكُّن جماعة الحوثي مِن اقتحام صنعاء، في 21 سبتمبر 2014م، والانقلاب على السلطة، أصبحت سلطة أمر واقع، وتوغَّلت في جسد الدولة الذي سلِّم لها، وذهبت بعيدًا في أطماعها. وكسبها للحروب الداخلية، فيما بدا لها، جعلها تدمن على الحروب، وتتَّجه إلى الانخراط في صراعات خارجية؛ بما في ذلك المساهمة مع المحور الإيراني في استهداف إسرائيل في ظلِّ العدوان الإسرائيلي على غزَّة. مِن ثمَّ فإنَّ الجماعة دخلت في حروب ضدَّ الأطراف اليمنية في الداخل، وضدَّ دول الإقليم (السعودية والإمارات)، وأخرى على الصعيد الدولي (بما ذلك التعاون مع روسيا في تجنيد مقاتلين لها).
اليوم، وعقب قيام إسرائيل بتوجيه ضربات حاسمة وموجعة لـ”حزب الله” اللبناني، أواخر عام 2024م، وسقوط نظام الأسد في سوريا تحت مطارق الثوَّار السوريين، ومع تزايد التهديد الأمريكي لإيران واستهداف برنامجها النووي، أصبحت الجماعة أمام خطر وجودي حقيقي، خصوصًا وأنَّ هناك متربِّصين بها على الصعيدين، الداخلي في اليمن، والخارجي الإقليمي، فضلًا عن أنَّها خلال (10) سنوات لم تقدِّم نموذجًا ملهمًا أو مرضيًّا عنه ما أكسبها عداوة المجتمع الخاضع لسيطرتها، وحالة مِن الغليان تجاه انتهاكاتها وجرائمها التي تمارسها ضدَّه.
وإذا ما استمرَّت الضربات العسكرية الأمريكية على ذات الوتيرة التي أطلقتها إدارة الرئيس الأمريكي، “دونالد ترامب”، مؤخَّرًا، فإنَّ تجريد الجماعة مِن الأسلحة النوعية التي تستجلبها مِن إيران وروسيا والصين، وغيرها مِن الدول، سيجعلها فاقدة لعنصر مِن عناصر التفوُّق العسكري على بقيَّة القوى والأطراف اليمنية الأخرى؛ وهذا بدوره سيحفِّز هذه القوى لمواجهة جماعة الحوثي بالأسلحة التقليدية التي تملكها جميع الأطراف على حدٍّ سواء، ما سيجعل نقاط التفوُّق لدى الأطراف الأخرى عوامل نصر عليها. ومع انكسار “محور المقاومة” التابع لإيران، والذي تعدُّ الجماعة ضمن عناصره الفاعلة، وبلوغ التهديد الأمريكي لإيران حدًّا حاسمًا، وفي ضوء تربُّص دول إقليمية وأطراف وقوى داخلية، مع حالة الغليان المجتمعي، تكون شروط هزيمة الجماعة قد تظافرت.
تأهُّب يمني واسع:
تنظر الأطراف اليمنية المناوئة لجماعة الحوثي للضربات الأمريكية ضدَّ الجماعة على أنَّها فرصة مواتية للقضاء على قوَّة الجماعة التي تتفوَّق بها عليهم، خاصَّة وأنَّها حازت أسلحة الدولة التي كان يمتلكها نظام “صالح”، عقب اقتحامها لصنعاء عام 2014م، وعملت على تهريب أسلحة نوعية خلال فترة الصراع منذ 2015م، مِن إيران وروسيا والصين وغيرها.
فـ”المؤتمر الشعبي العام” الذي عملت الجماعة على قتل زعيمه، علي عبدالله صالح في 2017م، وإقصائه مِن الشراكة واستهداف رموزه، و”التجمُّع اليمني للإصلاح” الذي وجَّهت الجماعة إليه ضرباتها، منذ عام 2013م، بدءا مِن عمران، ومرورًا بصنعاء في 2014م، ووصولًا إلى استهدافه في جميع المحافظات التي تحت سيطرتها، أو في المواجهات معه على خطوط التماس بين الطرفين، والتيَّار السلفي الذي استعدته منذ أحداث دمَّاج في 2014م، ووجَّهت إليه نعوتًا تكفيريَّة، وأبناء المحافظات الشمالية، في كلٍّ مِن تعز والحديدة ومأرب والبيضاء والجوف، الذين استهدفت الجماعة مناطقهم وهجَّرتهم مِنها، وأبناء المحافظات الجنوبية، في كلٍّ مِن عدن ولحج والضالع وشبوة، جميعهم في حالة ترقُّب وتأهُّب لما قد ينتج عن هذه الضربات الأمريكية، إن على الصعيد العسكري أو السياسي. خصوصًا أنَّ المسار السياسي تعطَّل منذ 2014م، وأصبحت الحكومة الشرعية عاجزة عن إدارة المناطق المحرَّرة في ظلِّ الغياب عن صنعاء، والعقبات التي تواجهها في عدن.
وحيث أنَّ القوى والأطراف اليمنية المناوئة لجماعة الحوثي موجودة على صعيد جبهات تشكِّل حلقة شبه مغلقة فإنَّ الزحف نحو صنعاء قد يكون مِن عدَّة مناطق[9]، بما في ذلك محافظة الحديدة التي سيكون تحريرها الخطوة الأولى لقطع أيِّ إمدادات عسكرية واقتصادية تأتي للجماعة عبر البحر. هذا فضلًا عن أنَّ أيَّ تحرك في الجبهات قد يستدعي ثورة داخلية في مناطق سيطرة الجماعة، وتمرُّدًا مسلَّحا عليها، خصوصًا مِن القبائل والقوى المجتمعية التي تضرَّرت مِن الجماعة خلال العشر السنوات الماضية.
ولا معنى لأيِّ تحرُّك ضدَّ جماعة الحوثي ما لم تكن العاصمة اليمنية (صنعاء) هي الهدف النهائي له، لأنَّ بقاء صنعاء تحت سيطرة الجماعة سيبقي واقع اليمن رهنًا لحالة الجمود والانهيار البطيء، وسيبقي الجماعة تهديدًا مستمرًّا وعالي الخطورة لبقيَّة الأطراف. وهو أمر متَّفق عليه بين القوى والأطراف الشمالية في أقلِّ تقدير. وفي هذه الحالة سيكون تحرير صنعاء مفتاحًا لاستعادة الدولة والمضي قدمًا في استئناف المرحلة الانتقالية. غير أنَّ تحرير صنعاء سيشكِّل أزمة جديدة في حال تمَّ مِن قبل طرف معين دون بقيَّة الأطراف، حال شجَّع الإقليم هذا التوجُّه بإسناد دولي.
سيناريوهات التحرير:
نظرًا لأنَّ السبق إلى صنعاء سيمنح الداخل الأوَّل قوَّة أكبر وورقة رابحة، فإنَّ هناك عدَّة سيناريوهات لهذا المشهد.
السيناريو الأوَّل: أن يتمَّ العمل بتنسيق كامل بين كافَّة القوى المناوئة لجماعة الحوثي، في وقت واحد، بحيث يدخل الجميع إلى صنعاء بتوقيت واحد، تحت راية الحكومة الشرعية، ما يعني أنَّ تحرير صنعاء سيكون محسوبًا لصالح الحكومة الشرعية اليمنية بصفة عامَّة. وهذا السيناريو سيحقِّق الأمن، وسيعفي اليمن مِن أيِّ صراع لاحق على استحقاقات التحرير في حال قام طرف ما دون الآخرين بعملية التحرير. وهو سيناريو مرجَّح في حال جرى إدارة المشهد مِن قبل الولايات المتَّحدة الأمريكية مع دول الإقليم لهذه الغاية. وقد نقلت شبكة “سي. إن. إن.” الأمريكية، عن مصادر دبلوماسية شرق أوسطية، قولها: إنَّ إدارة الرئيس “ترامب” وافقت على شنِّ عملية برِّية ضدَّ الحوثيين، مِن المتوقَّع أن تنطلق مِن جنوب وشرق اليمن، ويمكن أن تتلقَّى دعمًا بحريًّا مِن المملكة العربية السعودية بهدف السيطرة على ميناء الحديدة[10].
السيناريو الثاني: أن تقوم “القوَّات المشتركة”، التابعة للعميد طارق صالح، بالتقدُّم لتحرير الحديدة، ثمَّ صنعاء، بدعم مِن دولتي “التحالف العربي”، أو مِن أحدهما؛ فيما تبقى بقيَّة الجبهات على الحياد أو في اشتباك محدود مع الجماعة. وهذا يعني بالضرورة إضعاف الحكومة الشرعية لصالح عودة نظام عائلة علي عبدالله صالح السابق، وإملاء طارق صالح شروطه على بقيَّة الأطراف، ما يعني الدخول في نزاعات سياسية جديد بصيغة جديدة.
السيناريو الثالث: أن تتقدَّم “المقاومة الشعبية”، التابعة للشيخ حمود المخلافي، مِن محافظة تعز باتِّجاه محافظة إب وربَّما ذمار، في حين تتقدَّم “القوَّات المشتركة”، التابعة للعميد طارق صالح، نحو الحديدة، مع تقدُّم الجيش الوطني في جبهات مأرب والجوف، دون الوصول إلى صنعاء. والفارق بين هذا السيناريو والسيناريو الأوَّل هو أنَّ حسابات الأطراف هنا ستكون لصالح توسيع النفوذ، أكثر مِنها لصالح العمل الوطني المشترك، أي أن تُبقِي هذه الأطراف المناطق المحرَّرة تحت هيمنتها إلى حين إجراء تسوية سياسية تُرضي الجميع. وهذا السيناريو يهدف إلى تضييق الخناق على جماعة الحوثي لدفعها للتسليم تجنُّبًا للخسائر البشرية والمادِّية في صنعاء. ومِن ثمَّ سيجري إعادة تسكين الجماعة في المشهد السياسي وفق رؤية توافقية جديدة.
السيناريو الربع: أن تنهار الجماعة مِن الداخل، ويحدث تمرُّد مسلَّح في المناطق التي تسيطر عليها، وتتقدَّم الجبهات دون قتال، ويجري الدخول إلى صنعاء بأمان ودون مواجهات. وهو احتمال وارد في حال وجَّهت القوَّات الأمريكية ضربات مركَّزة على قيادات الجماعة السياسية والعسكرية والأمنية، كما جرى لـ”حزب الله” في لبنان، بحيث تفقد الجماعة القرار والقوَّة والتحكُّم.
ختامًا.. سيمثِّل القضاء على جماعة الحوثي وتحرير صنعاء تحوُّلًا دراماتيكيًّا في المشهد اليمني لكنَّه لن يعني بالضرورة توقُّف حالة النزاع والصراع التي تسود الساحة اليمنية، خصوصًا بين الأطراف المحسوبة على الشرعية، إذ أنَّ الغالب عليها هو سعيها لتحقيق أجنداتها ومشاريعها الخاصَّة، دون الغايات الوطنية والمطالب الشعبية اليمنية. كما أنَّ تبعية عدد مِن الأطراف المحسوبة على الشرعية للقوى الخارجية، الإقليمية والدولية، سينزع بها للاستقواء ورفع سقف طموحها ومطالبها، استنادًا للرعاية والدعم الخارجي.
[1] ضربات أمريكية جديدة على اليمن وترامب يتوعد “بالقضاء تماما” على الحوثيين، فرانس24، في: 19/3/2025م، متوفر على الرابط التالي:
[2] انظر: الحوثي “مقاتل شرس” واحتمال تدخل بري من الجنوب والشرق ووصول قاذفات أمريكية رسالة.. محللون يعلقون، سي. إن. إن. عربية، في: 6/4/2025م، متوفر على الرابط التالي:
[3] ترامب بعد ضرب الحوثيين: انتهى وقتكم وسنمطركم بـ”جهنم”، سكاي نيوز عربية، في: 15/3/2025م، متوفر على الرابط التالي:
[4] هل دخلت المواجهة بين واشنطن والحوثيين طورا جديدا؟، بي. بي. سي. عربي، في: 16/3/2025م، متوفر على الرابط التالي:
[5] ما بعد العاصفة.. هل تُعيد الضربات الأمريكية رسم خارطة الصراع في اليمن؟، المجهر، في: 13/4/2025م، متوفر على الرابط التالي:
[6] صحيفة روسية: هل تستعد واشنطن لعملية برية في اليمن؟، الجزيرة، في: 9/4/2025م، متوفر على الرابط التالي:
[7] انظر: هيغسيث يتوعد الحوثيين بضربات “متواصلة”.. ويقول لإيران: “سنحاسبكم”، سي. إن. إن. عربية، في: 16/3/2025م، متوفر على الرابط التالي:
[8] الحرب الأمريكية على الحوثيين… هل باتت العملية البرية وشيكة؟، أنور العنسي، مجلَّة المجلَّة، في: 15/4/2025م، متوفر على الرابط التالي:
[9] فـ”القوَّات المشتركة” موجودة على الساحل الغربي، و”المقاومة الشعبية” على جبهة تعز والضالع (جنوب مناطق سيطرة الجماعة)، والجيش الوطني على جبهة مأرب (شرقي صنعاء)، وهناك مجاميع وألوية موجودة بمحاذاة الشريط الحدودي مع السعودية في صعدة وحجَّة، وهو ما يتيح الإطباق عسكريًّا على الحوثيين في حال اتَّحدت هذه الجبهات في تحرُّك متناسق وتوقيت واحد.
[10] صحيفة روسية: هل تستعد واشنطن لعملية برية في اليمن؟، الجزيرة، في: 9/4/2025م، متوفر على الرابط التالي:
وانظر: مصدر لـ”عربي21″: الولايات المتحدة تدعم عملية برية وشيكة ضد الحوثيين، عربي21، في: 17/4/2025م، متوفر على الرابط التالي: