في ندوة بإسطنبول: خبراء وإعلاميون يبحثون مسؤولية الإعلام العربي تجاه جرائم الإبادة في فلسطين

إسطنبول – الخميس 17 أبريل 2025
وسط أجواء عالمية مشحونة بالغضب والتساؤلات الكبرى، نظّمت المؤسسة العربية للدراسات الاستراتيجية اليوم في مدينة إسطنبول ندوة إعلامية بعنوان: “الإعلام العربي وجرائم الإبادة في فلسطين: هل التغطية بحجم المعاناة؟”، بمشاركة نخبة من الإعلاميين والباحثين والخبراء، الذين ناقشوا حجم التحديات والمسؤوليات الملقاة على عاتق الإعلام العربي في ظل ما تشهده غزة من جرائم إبادة ممنهجة يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي.
الندوة جاءت في لحظة مفصلية تمر بها القضية الفلسطينية، سلّطت الضوء على القصور الإعلامي العربي في مواكبة الجرائم اليومية، وطرحت تساؤلاً محورياً: هل ما يُعرض على الشاشات يعكس فعلاً حجم المأساة؟
الرسالة الغائبة وصوت الضحية المخنوق:
استعرض المشاركون في الندوة أبرز أوجه الانتهاكات التي يتعرض لها الفلسطينيون في غزة، حيث تخطى عدد الشهداء 51 ألفًا، بينما تجاوز عدد المفقودين 12 ألفًا، في واحدة من أبشع صور الإبادة الجماعية الحديثة. وبيّنوا أن أكثر من 75% من المؤسسات الصحفية قد دُمّرت بالكامل، في محاولة ممنهجة لإسكات الصوت الفلسطيني ونزع الكاميرا من الميدان. وشدد المتحدثون على أن الإعلام بات هدفًا مباشرًا، وأن الناشطين الصحفيين الذين ينقلون الحقيقة من الميدان يتعرضون للاستهداف الجسدي والمعنوي، ضمن سياسة تهدف إلى طمس الرواية الفلسطينية وتمرير الرواية الإسرائيلية دون مقاومة.
أسباب القصور: من هيمنة الأنظمة إلى سطوة الترفيه:
في المحور الأول للندوة، ناقش المتحدثون أسباب تراجع الدور المحوري للإعلام العربي، وأبرزها هيمنة الأنظمة السياسية على الخطاب الإعلامي، وتراجع استقلالية المؤسسات الإعلامية، إضافة إلى الانشغال بالمحتوى الترفيهي على حساب القضايا الحقوقية.
كما أشاروا إلى نقص الكفاءات الإعلامية المتخصصة في تغطية الحروب، وخاصة أولئك الذين يغطون عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والاعتماد المفرط على الوكالات الغربية مما أدى إلى تغليب الرواية الإسرائيلية أو تشويه صورة المقاومة ووصمها بالإرهاب، بدلًا من عرضها كحركة تحرر مشروعة.
فراغ إعلامي يستغله الاحتلال… وواجب اللحظة لا يحتمل التأجيل:
المشاركون أكدوا أن غياب التغطية الفاعلة والمستمرة من قبل الإعلام العربي خلق فراغًا خطيرًا، استغلته وسائل الإعلام الغربية لفرض روايتها، مما أدى إلى إضعاف التضامن العربي والدولي، وتراجع الضغط على الاحتلال.
وفي محور “واجب اللحظة”، دعت الندوة إلى تحرك إعلامي عاجل، وطرحت سلسلة من الخطوات العملية، أبرزها:
- تأسيس منصات إعلامية عربية مستقلة تُعنى بالقضية الفلسطينية.
- تدريب كوادر إعلامية شابة قادرة على التغطية الميدانية والإنسانية.
- تفعيل الإعلام الرقمي كأداة بديلة تتجاوز الرقابة الرسمية.
- تشبيك الإعلام العربي مع نظيره العالمي المناصر لفلسطين.
أصوات مضيئة في الظلام:
رغم الواقع الصعب، لم تغفل الندوة عن الإشادة بدور بعض القنوات العربية التي تميزت في تغطيتها للمجازر في غزة، مثل قناة الجزيرة، وقناة العربي، وTRT، والحوار، بالإضافة إلى عدد من القنوات العربية التي تبث من إسطنبول. هذه المؤسسات، وفق المتحدثين، مارست الحد الأعلى من الالتزام المهني والإنساني في تسليط الضوء على جرائم المحتل.
التوصيات: الإعلام شريك في المقاومة:
واختتمت الندوة بجملة من التوصيات العملية، تمثلت في:
- إطلاق منصة إعلامية عربية من تركيا تُعنى بالقضية الفلسطينية.
- تعزيز حملات إعلامية دائمة لدعم فلسطين.
- إعادة إدراج فلسطين كقضية مركزية في المحتوى الإعلامي العربي.
- دعم الناشطين والمؤثرين الرقميين وتدريبهم.
- تسخير الذكاء الاصطناعي والإعلام الرقمي لنقل الحقيقة إلى العالم.
- تكوين شبكة إعلامية عربية – دولية موحدة لنقل الجرائم الإسرائيلية.
- تعزيز إنتاج المحتوى الإعلامي الموجه لكافة شرائح الجمهور.
صرخة الندوة: معركة الوعي مستمرة:
في ختام الندوة، أجمع المشاركون على أن ما يجري في غزة ليس مجرد مجازر، بل معركة على الوعي والذاكرة والهوية، وأن الإعلام العربي مدعوّ اليوم، أكثر من أي وقت مضى، إلى أن يكون في صف الحقيقة، بلا مواربة، وبلا توازن مخادع.
“ما يحدث في غزة ليس خبراً عابرًا، بل نداء ضمير لكل إعلامي حرّ، ولكل منصة تحترم نفسها ومهنتها“ – بهذه الكلمات ختمت المؤسسة العربية للدراسات الاستراتيجية ندوتها، داعية إلى رفع الصوت، وكسر الصمت، ومقاومة الإبادة بالرواية والصورة والكلمة.
