المال السياسي وتوجيه القوة في اليمن
لم يعد بمقدور الشعب اليمني اليوم صناعة المجد والمحافظة على كيان الدولة اليمنية مالم تسند إرادتهم بأيادي أصحاب الأموال اليمنية، فالمال عصب الثورات، ولا نجاح لأي ثورة عبر الأزمان، مالم ينفق عليها بسخاء، فهذا هو الاختبار الأصعب في عجلة التغيير. فليست دول الجوار أعطف على الشعب وأرحم على أبناءه من بني جلدته.

*السروري بن عبد العزيز الأحمد
تدخلت الكثير من القوى للإطاحة بالربيع العربي، وخاصة تلك المالكة للنفط والمخترقة للحدود السياسية، ولعبت دورا في تمزيق أحلام الشعوب وصنع مستقبل غامص بعيدا عن آمالها، وعلى حساب دماء الأبرياء منها.
ففي القضية اليمنية، تدخلت دول خليجية لتشتيت الشعب اليمني عن أحلامه وطموحاته، وشرعت في تفكيك أواصره الاجتماعية والثقافية والسياسية. وبسبب امتلاكها المال، تصورت تلك الدول أنها ستكون اللاعب الأقوى في صنع القرار وتبديد مقدرات البلد لصالحها.
اليوم، تسير المعركة لتدمير البلد بطريقة غير أخلاقية من خلال دعم جميع الأطراف بما يضمن توازن القوة بيها وعدم تمكين النصر لأي منها. فقد كانت قوات الشرعية على مشارف نهم وصنعاء، لكن التحالف أعادها إلى مأرب. كما تمارس دول التحالف الغنية الضغط والمقايضة بين القوى اليمنية لتحصل على تنازلات من جميع الأطراف تضمن لها التحكم بقرارات البلد من خلال تعيين من يدين لها بالولاء، وتشكيل مليشيات مسلحة تتحكم بالمشهد اليمني ليسهل عليها إهدار مقدرات اليمن أمام مرأى المجتمع الدولي الذي يعد جزءا من السيناريو الأكبر.
الفخ الخليجي
وقع الكثير من السياسيين اليمنيين في فخ المال الخليجي، فتماشوا مع خطتهم لتمزيق اليمن مقابل الفتات من الأموال التي يتقاضونها من وقت لآخر، لكنهم لم يدركوا أن هذه الأموال “الخاصة” ستكون وبالا عليهم عاجلا أم آجلا، والأمثلة على ذلك كثيرة.
فأسرة يحي حميد الدين التي كانت تملك أموالا طائلة، سواء تلك التي جنتها من الشعب أو التي كانت تصلها من السعودية، لكنها في نهاية المطاف تركت كل شيئ وراءها لتنجوا بجلدها من غضب الشعب. وثروة على عبد الله صالح لم تحل بينه وبين قصف طيران التحالف أو مصادرة الحوثيون لأمواله من المستودعات المليئة بصناديق الذهب.
فالطمع غالبا يوصل الإنسان للحرمان، وأموال الزعماء غالبا ما يتنافس عليها رفاقؤهم أو تتنازعها المحاكم الدولية وتحرم منها الشعوب، هذه هي دورة حياة المال السياسي.
ألم نسمع بـ”رفعت الأسد” الذي أمتلك المليارات في سوريا وهرب بها إلى فرنسا بعد الخصام بينه وبين أخيه، ليحاكم عليها وهو في التسعين عاما، وصودرت قصوره وملايينه التي جمعها من حاجة الشعب السوري، فلا هو استفاد منها ولا تركها للسوريين. ومثله فعل حافظ الأسد ويفعل ابنه بشار الشيء نفسه في تكديس الأموال في الخارج وحرمان شعوبهم منها.
ولنا في لبنان مثال آخر، حيث يحكم البلد أسر ماليه عريقة، ولكن يعد البلد من أفقر دول المنطقة. فلم تقدم عائلة رفيق الحريري شيئا للمجتمع اللبناني، وكذلك تفعل عائلة طه ونجيب ميقاتي، امبراطور المال في لبنان و سلطانها السياسي، بينما يرزح الشعب في براثن الفقر. كما لا ننسى أموال زين العابدين التي صودرت وهو ما زال في الجو هاربا، وكذلك ذهبت مليارات الزعيم الليبي أدراج الرياح.
المالي اليمني هو الحل
لم يعد بمقدور الشعب اليمني اليوم صناعة المجد والمحافظة على كيان الدولة اليمنية مالم تسند إرادتهم بأيادي أصحاب الأموال اليمنية، فالمال عصب الثورات، ولا نجاح لأي ثورة عبر الأزمان، مالم ينفق عليها بسخاء، فهذا هو الاختبار الأصعب في عجلة التغيير. فليست دول الجوار أعطف على الشعب وأرحم على أبناءه من بني جلدته.
ولنا تجربة في الثورة اليمنية السبتمبرية، حيث ساند المناضل “أحمد عبده ناشر العريقي” ثورة 1948 لكنها اخفقت، ثم دعم ثورة 1955 واخفقت، واستمر في دعم ثورة سبتمبر 1962 حتى تكللت بالنحاج، فكان هو أكبر مناضليها، لكنه عمل طيلة فترة مراحل الثورة كجندي مجهول ينفق أمواله لاحتياجات الثورة بسخاء من غربته في الحبشة، فلم يتغافل عما يجري في وطنه، واستمر في دعمه حتى عاد إليه منتصرا. وشهدت له شخصيات نضالية من خنادق البطولة مثل الزبيري والنعمان، والتقاه الرئيس السلال واستمر في دعم الثورة اليمنية حتى تمكنت واستقر لها الأمر.
والواقع يخبرنا أن دول التحالف تدفع فقط 5٪ من تجهيزات واحتياجات أي معركة، ما يعني أنها غير مستعدة لانفاق أموالها لحسم المعركة إلا بقدر ما يضمن توازن القوة بين المتحاربين. وصار هدفها “تبييض المعركة” ومنع أي تقدم لصالح الشرعية والبقاء دوامة من الصراعات وفق تفاهمات غربية خليجية تضمن حماية حدود السعودية ليس أكثر.
فالمطلوب من أرباب الأموال اليمنية كسر وتجاوز هذا المخطط، من خلال الإنفاق الذاتي على ثغور المعركة والخلاص من كابوس التآمر. فلم يعد هناك أمل من دول الخليج التي عبثت باليمن وصارت عبئا على الشعب اليمني.
فيا أرباب الأموال، يعول الشعب اليمني آماله عليكم في تحقيق النصر، فأنتم أهل لذلك، قادرون على صناعة المجد، فكنوا أبطاله. فدعم عثمان بن عفان وعبدالرحمن الغافقي للمعارك كان كفيلا في تعديل الكفة وتحويل المعارك من دفاع إلى هجوم ونصر مبين. فما أجمل أن يقال لكم “ما ضر فلان ما أنفق بعد اليوم”.
لتعلموا أن نصر اليمن لن يأتي من تلك الشعارات و المدائح الكاذبة والخطب السخيفة التي يتغنى بها ملوك الجزيرة ليسخروا من الشعب اليمني و يتلذذوا بعذابه. بل انتقلت المعركة اليوم من سراديب الملوك والزعماء ومخططاتهم، إلى حكمة الشعب اليمني وتضحيات أبنائه، فأنتم من يحدد ويرسم مستقبل اليمن، فإن تقاعستم فمن لإنقاذه غيركم.
*الكاتب من خريجي برنامج “مهارات كتابة المقال السياسي” الذي ترعاه المؤسسة