آخر الأخبارأخبارقضايا راهنةمقالات
أخر الأخبار

دور المرأة اليمنية أثناء الصراعات المسلحة

قدمت المرأة اليمنية في زمن الحرب تضحيات مختلفة اللون والشكل والمدى، فقد يسكن قلبها حزن شديد، لكن يبقى الوطن لديها أغلى من كل اعتبار

*يسرى عبد الله

عُرفت المرأة اليمنية عبر التاريخ بشجاعتها وبسالتها وصمودها وحكمتها في أحلك الظروف، ويشهد لها بذلك عصر ملكة سبأ بلقيس التي وثق مملكتها القرآن الكريم، والملكة أروى الحميرية التي كانت تعطي أولوية لمصلحة الرعية أثناء حكمها.

وعلى صعيد الحراك الثوري، كان للنساء اليمنيات أدوار نضالية، أمثال دعرة سعيد التي شاركت رجال “ردفان” في القتال أثناء ثورة 26 سبتمر 1962، وقاتلت بشجاعة في جبال “المحابشة” وحصار السبعين، كما شاركت في ثورة 14 أكتوبر 1963 ببسالة ضد الاستعمار الإنجليزي. فحين قتل الإنجليز أخاها قررت الثأر له، فباعت مجوهراتها وحليها واشترت بندقية.

كذلك فعلت تحفة سعيد، المرأة التي أرعبت الإمام يحيى في أول مسيرة راجلة ضده في أربعينيات القرن الماضي، حتى قال لها نجل الإمام يحيى: “يا شرعبية خلي الأذية.. صوت المدافع بالجحملية”.

استمر نضال المرأة اليمنية واسهاماتها في جميع حالات الحراك السلمي في ثورة فبراير 2011، حيث انضمت النساء إلى الثورة في أول أيامها، وشاركن في المظاهرات ضد نظام صالح، وتنظيم ساحات الثورة وحماية منافذها مع الرجال، فضلا عن تقديم الخدمات الغذائية والبرامج الثورية.

وبعد الانقلاب الحوثي على الشرعية في سبتمبر 2014، واشتعال الحرب المستمرة منذ 8 سنوات، كان للمرأة اليمنية حالتها الفريدة في دعم الجيش الوطني المناوئ لميليشيا الحوثي الانقلابية، بعد تحول مسار الحوار الوطني إلى المسار العسكري وسقوط صنعاء في يد الحوثيين.

أخذ دور المرأة في المناطق المحررة من الحوثيين حيزاً آخر، فأصبحت ناشطة حقوقية، ومشاركة في عمليات الإغاثة والتمريض في المستشفيات، وتأمين المواد الغذائية لأفراد الجيش في الجبهات، وتحمل أعباء إعالة الأسرة وتقديم الدعم النفسي لأبناءها حتى ينعموا بحياة سوية رغم المآسي اليومية التي يعيشونها.

أصبحت بعض النساء اليوم تؤثر اقتناء الزينة والملابس والحلي كما كانت تفعل قبل الحرب، كي تقدم المال لدعم رجال الجيش الوطني والمقاومة في الجبهات، وتحولت جلسات النساء في المناطق المحررة إلى ندوات سياسية وحوارات فكرية وأعمال إغاثية وإنسانية.

أعداد كبيرة من النساء أُجبرن على النزوح من بيوتهن، فضلا عن تعرضهن للقصف وإصابتهن بإعاقات مختلفة. كما دفعت النساء في اليمن ثمنا باهضا بسبب تأييدهن لرجال الجيش الوطني الذي يواجه مليشيا الحوثي، حيث تعرضن لسلب ممتلكاتهن أو فقد زوج أو أب أو ابن، أوانتهاك حرماتهن، لكن كل ذلك لم يثن عزيمة المرأة اليمنية في الاستمرار في نضالها التي تعتبره ضرورة ومسؤولية حقيقية.

أصبحت نساء اليمن ناشطات في مجال الحقوق والإغاثة والتربية والتعليم، بل اتجه الكثير منهن إلى تكثيف أنشطتهن على مواقع التواصل الاجتماعي والمشاركة في المؤتمرات والندوات وحملات التوعية، ليضعن بصمتهن البارزة في المجتمع رغم كل التحديات التي يواجهنها جراء الحرب. وحسب تقرير صادر عن الهيئة الوطنية للرصد للعام 2020، مثلت النساء 70 بالمئة من العاملين في مراكز الإيواء وكوادر المنظمات المحلية والدولية التي تقدم عمليات الإغاثة.

وعلى سبيل المثال، كرست رئيسة رابطة أمهات المختطفين، أمة السلام الحاج، جهود الرابطة لتقديم الدعم النفسي والمادي لأبناء المختطفين والجرحى والشهداء، حيث نجحت مع فريقها، أفضل من الرجال، في الوصول إلى أماكن المعتقلين وتقديم الدواء والغذاء لهم. كما شاركت نساء الرابطة في تنظيم مظاهرات بين حين وآخر للمطالبة بالإفصاح عن أماكن المختطفين والمخفيين قسرياً والإفراج عنهم. وتمكنت أيضا من المشاركة في إحدى مؤتمرات جنيف الأممية لإيصال صوت المرأة اليمنية إلى العالم.

شيماء السقاف، مثال آخر على نجاح المرأة اليمنية في زمن الصراعات، حيث تحولت من “نازحة” إلى “منتجة” وأسست مبادرة “يداً بيد” لتأمين المواد الغذائية لأسر الشهداء والأيتام. كذلك فعلت أسماء هزاع التي فقدت ابنها وأقاربها ويعاني بعض أولادها من أمراض نادرة. استطاعت أسماء رغم التهديد الذي نالها لإيقاف أعمالها الإنسانية، فتح معمل للخياطة وتدريب العديد من النساء على هذه المهنة، وحولت منطقتها إلى مركز إنتاجي، لتؤكد على مقولتها التي ترددها دائما أن “العمل على المشاريع الإنتاجية هو الحل الأسلم للفقر”.

قدمت المرأة اليمنية في زمن الحرب تضحيات مختلفة اللون والشكل والمدى، فعند فقدها معيل أسرتها أو تشييع جثمان ابنها الشهيد، فإنها لا تستسلم، بل تلتفت لبقية أسرتها لتشد على عضدهم للاستمرار في النضال من أجل الإنسان والوطن. فالمرأة اليمنية في زمن الحرب يسكن قلبها حزن شديد، لكن يبقى الوطن لديها أغلى من كل اعتبار.

*الكاتبة طالبة دكتوراة صحافة وإعلام ومن خريجي برنامج “مهارات كتابة المقال السياسي” الذي ترعاه المؤسسة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى