إصدارات

كتاب صنعاء المستباحة

المـقـدمــــة
هي عاصمة الروح
أبوابها سبعة
والفراديس أبوابها سبعة
كل بابٍ يحقق أمنية للغريب
ومن أيّ بابٍ دخلت
سلامٌ عليك
“صنعاء، عاصمة للروح”، هكذا وصفها عبدالعزيز المقالح، أحد أكبر شعراء اليمن المعاصرين، الشاعر والأكاديمي الذي لم يغادرها حتى وفاته في 28 نوفمبر 2022 عن عمر ناهز خمسة وثمانين عاماً، لم يستسغ الحياة بعيداً عنها وعن هوائها المتفرد.
عملاقة هي منذ الأزل، كانت سام وآزال وكانت صنعاء، فارتبط بها المقالح أو لنقل تعالق بها، كما يقول الأسلوبيون وجداناً وحساً، كما غيره الكثير قديماً وحديثاً، وفي العام 2000 كانت قصيدته الخاصة، التي جاء في كتاب كامل، كتاب صنعاء، ككتاب للروح والعشق معاً. وبعد أربعة عشر عاماً، حدث الزلازل المدمر، الذي لم يأت على أبنية المدينة العتيقة، بل أتى على روحها، ولم تظهر آثاره حينها في العام 2014.
مظاهر التشوه كثيرة التي أصابت عاصمة اليمنيين، صحيح أنها لم تكن في تخطيط جمالي باذخ، إلا أن لها مكوناتها الخاصة، كما أن لأزقتها وأبنيتها وشوارعها وطيرماناتها وأسواقها وبساتينها شجن، ذو طابع خاص يعرفه كل من سكن فيها أو زارها أحد يوماً ما.. كل ذلك تغير، أصابه الاعتوار بعد 8 سنوات من انقلاب جماعة الحوثي المسلحة والمدعومة من إيران في 21 سبتمبر/أيلول 2014 والمدرع بأفكار طائفية سلبت شيئاً كثيراً من الهوية والُحسن ومن الأشياء الجامعة، من وطنية ودينية وتاريخية.
إلى اليوم وفي الذاكرة العربية وربما غيرها أن صنعاء عاصمة عربية سامقة، لا يذكر العرب إلاً حين ذكرها، الاستئناس بأحرفها الخمسة، والتي فيها وبها ولها دلالة الوطن والحضارة والتموضع في أعلى هضبة، تظهر وكأنها تظلل بمهابة وكبرياء بقية أرجاء الجزيرة العربية من كل الاتجاهات، كحصن منيع، أما الآن ونتيجة لما يعتمل فيها، أراد الحوثيون، إلغاء هذه القدسية والمهابة معاً، بل وطمسها تماماً، وإلحاقها قسراً بثقافة فارس المندثرة، وبعمائم الإمام الفقيه في طهران وبقية الحوزات، ليسهل لها أي جماعة الحوثيين ونظام إيران الاستمرار في التحكم بصنعاء واليمن والمنطقة.
نزعُ كل ذلك أرادت الحوثية ومن ورائها إيران في سلب صنعاء أولاً من اليمنيين، كما سلبوا وسرقوا ونهبوا من قبل صعدة، ليسهل الاستئثار والاستغلال بالجمهورية اليمنية، بموقعها الجغرافي الهام، الذي لم يغادر مكانته وفرادته واستراتيجيته قديماً وحديثاً، وإن تغيرت الوسائل. فاليمن كما هي رابطة الشرق بالغرب، وأس الأمن والاستقرار في المنطقة العربية برمتها والمحيط الهندي، فكان الانتهاج الحوثي الخطير على صنعاء، والذي ما زال الاشتغال عليها، لتكون لها كطائفة ومكون دخيل، تكون منبعاً للإرهاب والقتل والخراب، لا الحياة بمواطنة ومشاركة ومثاقفة، ولا الاتخاذ منها عاصمة للجميع، جامعة لها، تقبل كل يمني، يأتي إليها يشعر بها ويستأنس بها وتأنس به، لا أن يعافها أول ما يدخلها، كونه سيرى وسيعايش كل ما ينفر منه، ولا يمس بشيء إلى هويته وفكره وحاجته.
مفاهيم هذه الدراسة تدور حول ذلك، تظهر جزءاً من التشويه والتجريف الحوثي لصنعاء خلال العقد الماضي، والذي انتهج أساليب عديدة من خلال إعادة تشكيل وهندسة العاصمة صنعاء ومجتمعها سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وديمغرافياً.
يسرّع الحوثيون خطوات ترسيخ حكمهم في العاصمة صنعاء وبقية المحافظات الخاضعة لسيطرتهم، من خلال العمل على إرساء ما يسمونه في أدبياتهم “يمنا جديدا”، يتم تفصيله وفقاً لمشروعهم السياسي والثقافي والاجتماعي والطائفي، مستغلين امتداد فترة الحرب وتأخر الحسم.
ويشهد اليمن منذ انقلابهم في العاصمة صنعاء عملية تغيير تطاول الجغرافيا والرموز الوطنية، إذ يجرون تعديلات عميقة في مراكز القوى، الاجتماعية والقبلية والسياسية، فيما يتلاعبون في أملاك الأوقاف وممتلكات الدولة، عبر خصخصة المؤسسات العامة، وإنشاء مراكز قوى اقتصادية جديدة على أنقاض الدولة واقتصادها المنهوب من قبلهم، وهذه المراكز تنتمي لـ”السلالة الهاشمية”.
لجأ الحوثيون من أجل استهداف مؤسسات الدولة والسيطرة على الدولة برمتها، إلى استهداف النسيج الاجتماعي اليمني وتمزيق هويته الجامعة، للحصول على أتباع وأنصار ومقاتلين، ولأجل تحقيق تلك الأهداف استخدم الحوثيون تغيير الديموغرافيا اليمنية والحصول على مناطق سيطرة وحكم فعلي للجماعة، حتى تأمن البقاء ولأجل ذلك قامت بتجريف الهوية الوطنية وتجريف كل ما يتعلق بمعاداة الأخر والانتقاص من تكوينه، والانحياز لهوية فرعية أخرى.
لقد سعت طهران من خلال إسقاط الحوثيين للعاصمة صنعاء إلى إعادة رسم الخريطة السياسية في اليمن على اعتبار أن اليمن دولة استراتيجية من وجهة النظر الإيرانية، لتكون خريطة طائفية مثلما هي الحال في لبنان والعراق وسوريا، علاوة على استنساخ نموذج حزب الله جديد في اليمن من خلال جماعة الحوثيين.
منهجية الدراسة
بنى الكاتب معلوماته من تقارير مركز العاصمة الإعلامي الذي كان رئيسه منذ تأسيسه في 2015 وحتى 2021م موثقة. والتقارير الدولية التي أشارت الى وضع العاصمة صنعاء، ومقابلات ومعلومات لم تنشر بعد عن وضع الجماعة الداخلي والخارجي، والدور الإيراني في تشييع عاصمة اليمنيين.
تستخدم الدراسة المنهج التاريخي الوصفي في سلوك جماعة الحوثي المسلحة منذ سيطرتها على العاصمة صنعاء في سبتمبر/ أيلول 2014، وحتى أكتوبر/ كانون الثاني 2022، لتحقيق الهدف العام لهذا الكتاب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى