آخر الأخبارأخبارمقالات

فتح الحوثيين للطرقات.. الأجندات والمآلات

أنور بن قاسم الخضري

تمهيد:

بالرغم مِن سبق الحكومة اليمنية الشرعية، المعترف بها دوليًّا، لطرح مطلب فتح الطرقات بين المحافظات الخاضعة لجماعة الحوثي، الموالية لإيران، وبين بقيَّة المحافظات التابعة للحكومة، نتيجة إغلاقها في ظلِّ ظروف الحرب التي اندلعت عام 2015م، إلَّا أنَّ جماعة الحوثي كانت تتعنَّت وترفض هذه المطالب، خصوصًا أنَّها أغلقت معظم الطرق المؤدِّية إلى مناطق سيطرة الحكومة الشرعية، بما في ذلك محافظة تعز، فارضة حصارًا خانقًا على مدينة تعز منذ عام 2015م، مع منع قوافل الإغاثة الإنسانية مِن الوصول إلى السكَّان والمتضرِّرين مِن الحرب. وقد شكَّل تقطيع الطرق مع المناطق التابعة للحكومة لجماعة الحوثي عامل أمان، وأتاح لها إحكام قبضتها الأمنية على المناطق الخاضعة لها، وتعزيز مواردها المالية مِن خلال فرض الجبايات المالية لحركة النقل والعبور والتجارة.

هذه الورقة تحاول تحليل أبعاد فتح جماعة الحوثي لبعض الطرق في الظروف الراهنة، وقراءة التداعيات والآثار المحتملة لهذا التحوُّل الجديد في المشهد العام في اليمن.

الطرق.. معاناة المواطنين ومساومات الأطراف:

منذ 26 مارس 2015م، وانطلاق عملية “عاصفة الحزم”، تحت مظلَّة “التحالف العربي”، بقيادة المملكة العربية السعودية، فرضت جماعة الحوثي على العديد مِن الطرق الواصلة بين المناطق التي سيطرت عليها والمناطق الأخرى تحصينات عسكرية ونقاط أمنية، وعمدت إلى قطع بعض هذه الطرق بهدف حصار بعض المناطق (كتعز) أو منع المواطنين مِن النزول إليها (كمأرب). ومنذ ذلك التاريخ ظلَّت الطرقات مغلقة في وجه حركة تنقُّل المواطنين والمسافرين والنقل والتجارة.

ورغم مساعي المفاوضات التي رعتها الأمم المتَّحدة بين الحكومة الشرعية وجماعة الحوثي لفتح هذه الطرق وتسهيل التنقُّل بين المواطنين إلَّا أنَّ هذه الجهود لم تنجح في فرض فتح هذه الطرق، خصوصًا مِن قبل جماعة الحوثي التي تمنَّعت مِن تنفيذ العديد مِن بنود الاتِّفاقات الموقَّعة مع الحكومة الشرعية، بما في ذلك “اتِّفاق استوكهولم”، والذي تمَّ في ديسمبر 2018م، ونصَّ على فتح الطرق ورفع الحصار عن تعز.

وأواخر شهر فبراير الماضي (2024م)، سبق أن أعلن عضو مجلس القيادة الرئاسي محافظ مأرب، اللواء سلطان بن علي العرادة، فتح الطريق الرابط بين مأرب وصنعاء عبر “فرضة نهم”، مِن جانب واحد، نزولًا لرغبة كثير مِن اليمنيين واستجابة لمناشدات واسعة مِن سياسيِّين ونشطاء. كما أبدى “العرادة” استعداده لفتح الطرق الأخرى (مأرب- البيضاء- صنعاء) وطريق (مأرب- صرواح- صنعاء)، وتمنَّى استجابة الطرف الآخر لهذه المبادرة التي تهدف بدرجة رئيسة إلى تخفيف معاناة المواطنين وتسهيل سفرهم وتنقلاتهم. وقد لقي إعلان العرادة في حينه ترحيبًا واسعًا مِن قبل اليمنيين. غير أنَّ القيادي في جماعة الحوثي، محمَّد علي الحوثي، أبدى ترحيبًا مشروطًا بالمبادرة، حيث اشترط فكَّ الحصار عن بقيَّة الطرقات في جميع المحافظات، وإزالة عسكرة الطرقات تباعًا، والإفراج عن المختطفين مِن الطرقات الذين تمَّ اعتقالهم أثناء السفر خلال السنوات الماضية، وذلك لتعزيز الثقة بجدِّية الخطوة في هذا الشأن -حسب تغريدة له على مدوَّنة “إكس”.

مؤخَّرًا اتَّجهت الجماعة نحو فتح الطرق مِن جانب واحد، خصوصًا في بعض المناطق والمحافظات، دون مناطق ومحافظات أخرى. فقد أعلنت جماعة الحوثي، في 4 يونيو المنصرم، عن فتح طريق حيوي يربط بين محافظة البيضاء ومحافظة مأرب، بعد أن جرى إغلاقه منذ نحو 10 سنوات، وذلك جرَّاء الصراع الدائر في البلاد. وقد عمدت الجماعة بحسب -وكالة سبأ الخاضعة لسيطرتها- بإزاحة مخلَّفات الحرب، وإزالة الجدر الخرسانية والحواجز الترابية، وتأمين الطريق، وتنفيذ الإجراءات اللَّازمة بما يضمن حماية المسافرين والحفاظ على سلامتهم. في حين كانت الحكومة الشرعية أعلنت -في وقت سابق- أنَّ جميع الطرق المؤدِّية إلى مأرب باتت مفتوحة مِن جانبها منذ فبراير الماضي.

وفي 7 يونيو المنصرم أيضًا، أعلنت جماعة الحوثي فتح طريقين إلى مدينة تعز التي تواجه حصارًا خانقًا منذ نحو عشر سنوات؛ وأنَّ الطريق الأوَّل الرئيس هو طريق (الحوبان- سوفتل- قصر الشعب- الكمب)، وسيخصَّص للمسافرين ووسائل النقل الخفيفة، أمَّا الطريق الثاني فهو طريق (الستِّين- الخمسين- مدينة النور- بير باشا)، وسيخصَّص لشاحنات النقل الثقيل والمتوسطة.

في 11 يونيو، أعلنت جماعة الحوثي رفضها رسميًّا، وبشكل ضمني، فتح طريق (حيس- الجرَّاحي) المغلق منذ 7 سنوات، والذي تمَّ فتحه مِن قِبل القوَّات المشتركة منذ عامين بهدف تخفيف معاناة المدنيين في المنطقة؛ وعوضًا عن هذه الطريق، أعلنت الجماعة في 12 يونيو فتح طريق بديل هو طريق (جبل راس- حيس- الخوخة) الذي يمرُّ في مناطق جبلية شاهقة، ما يزيد مِن معاناة المدنيِّين بدلًا مِن تخفيفها.

وأعلنت الحكومية الشرعية، في 15 يونيو، مِن جهتها فتح طريق ثانٍ بتعز، مِن جانب واحد، داعية جماعة الحوثي إلى فتح الطريق مِن جانبها؛ حيث جرى إزالة الأشجار والأتربة مِن طريق (عصيفرة- الستِّين) شمالي المدينة، تمهيدًا لاستقبال الشاحنات والمواطنين مِن حي الحوبان الخاضع لسيطرة الحوثيين.

الأسباب والأجندات:

يأتي توجُّه جماعة الحوثي لفتح بعض الطرقات بين المحافظات اليمنية في ظلِّ جملة مِن الأسباب الذاتية والخارجية، حيث يجري قراءة هذه الخطوة في ضوء سياقات عدَّة، سياسية واقتصادية وعسكرية وأمنية واجتماعية.

فعلى الصعيد السياسي، يأتي هذا التوجُّه مِن قبل الجماعة في ظلِّ الحديث عن توقيع اتِّفاق بين جماعة الحوثي والمملكة العربية السعودية بشأن إيقاف الحرب، والذهاب إلى تسوية سياسية تدفع إليها الأطراف اليمنية المتصارعة للخروج مِن حالة الانقسام والتشظِّي القائمة. ومِن ثمَّ هناك ضغوط خارجية على جميع الأطراف، بمَن فيها جماعة الحوثي، لخلق أجواء تهدئة وتوطئة للحلِّ السياسي وبناء الثقة، خصوصًا في ظلِّ الإلحاح المتزايد بشأن معالجة القضايا العالقة بما فيها الطرقات. وقد أعلن المبعوث الأممي إلى اليمن، “هانس غروندبرغ”، في 23 ديسمبر 2023م، عن التزام الحكومة الشرعية وجماعة الحوثي بحزمة تدابير ضمن “خارطة طريق” تشمل وقفًا شاملًا لإطلاق النار، وتحسين ظروف معيشة المواطنين. وبالتالي، فإنَّ جماعة الحوثي خضعت للضغوط الإقليمية والخارجية الهادفة لحلِّ الصراع اليمني.

وعلى الصعيد الاقتصادي، وفي ظلِّ رغبة جماعة الحوثي على تقوية اقتصادها ومواردها المالية، خصوصًا في ظلِّ تراجع …. وتراجع مداخيل ميناء الحديدة، على خلفيَّة قيام الجماعة بمهاجمة السفن التابعة لإسرائيل أو ذات الصلة بها، وزيادة التوتُّر في مضيق باب المندب والبحر الأحمر، وبالتالي فإنَّ فتح الطرقات سوف يفكُّ عن مناطق الحوثيين أزمة التموين والتجارة. كما أنَّ فتح هذه الطرقات سيساعد الجماعة على القيام بإجراءات، احتياطيَّة وبديلة واستباقيَّة، لقرارات البنك المركزي بعدن، والهادفة لنقل وتوطين المركز المالي للجمهورية اليمنية مِن صنعاء إلى عدن. ومِن ثمَّ هناك مَن يقرأ هذا التوجُّه لجماعة الحوثي في بعده الاقتصادي الذي يخدم أجندات الجماعة الاقتصادية المختلفة.

وعلى الصعيد العسكري والأمني، لا تزال جماعة الحوثي تسعى لتوسيع دائرة نفوذها في المحافظات الشمالية كاملًا باعتبارها القوَّة العسكرية الأقدر على السيطرة عليها وإدارتها، في موازاة “المجلس الانتقالي الجنوبي”، التابع للإمارات العربية المتَّحدة، كقوَّة يمكن أن تبسط سيطرتها على المحافظات الجنوبية كاملًا، ما يجعل التفاوض السياسي سهلًا بين الطرفين. ومِن ثمَّ فإنَّ جماعة الحوثي مسكونة برغبة جامحة في ضمَّ محافظة بقيَّة المحافظات إلى سلطتها بصنعاء، بما في ذلك محافظتي تعز ومأرب، والتي فشلت اقتحامها عسكريًّا رغم كلِّ المحاولات التي بذلتها في السنوات الماضية، برعاية إقليمية ودولية. فهي تحاول اليوم تغيير سياستها الهجومية مِن خلال اختراق بيئة الطرف الآخر، خصوصًا في ظلِّ الهشاشة والضعف الذي تعاني مِنهما سلطة الحكومة الشرعية في مناطق التوتُّر والمواجهات، ما يتيح لها قراءة المشهد بشكل صحيح ووضع الخطط اللَّازمة لضمِّ هاتين المحافظتين بأقلِّ التكاليف.

فضلًا عن ذلك، تحتاج جماعة الحوثي إلى تكثير طرق التهريب الخاصَّة بالأسلحة والذخيرة، خصوصًا في ظلِّ الخسائر التي تتعرَّض لها نتيجة استهدافها مِن قبل “التحالف العربي” سابقًا، وتحالف “حارس الازدهار” لاحقًا. وغالبًا ما يجري تهريب هذه الأسلحة والقطع والذخائر عبر طرق مختلفة، على امتداد سواحل اليمن المطلَّة على بحر العرب وخليج عدن.

اجتماعيًّا، تسعى جماعة الحوثي للتنفيس عن المجتمع في بعض الملفَّات الممكنة في سبيل ضمان بقائه تحت السيطرة والتحكُّم، كي لا تتَّجه الأمور نحو ثورة عارمة ضدَّ إخفاقات الجماعة وعنفها وتطرُّفها وسياساتها الفاسدة والفاشلة والعنصرية. وبالتالي، ففتح الطرق بين المحافظات والسماح للمواطنين للتنقُّل بينها دون عوائق سيشكِّل عامل تهدئة على صعيد المجتمع الذي يعاني مِن أزمة اقتصادية حادَّة في مناطق جماعة الحوثي التي تمتنع عن صرف الرواتب لموظَّفي القطاع الحكومي. كما أنَّ فتح الطرقات يتيح لها الوصول إلى بعض البؤر الاجتماعية الموالية لها في محافظتي تعز ومأرب، ما يساعد في تجنيدها والإفادة مِنها مستقبلًا لصالح الجماعة.

وقد جاء توجُّه الجماعة لفتح الطرقات نتيجة حملات ومناشدات واسعة، قام بها مؤخَّرًا نشطاء وسياسيون، عبر الوسائل المختلفة، ناشدوا فيها جماعة الحوثي والحكومة الشرعية بفتح الطرقات بين المدن والمحافظات، والتي مضى على قطعها سنوات، للتخفيف مِن مأساة اليمنيين، إذ يتعرَّض كثير مِنهم لحوادث سير خطرة، وتقطُّعات، ومعاناة طول الطرق وافتقادها للخدمات، إذ لقي المئات مصرعهم خلال تنقُّلهم وسفرهم في الطرقات الفرعية وغير المعبَّدة، سواء الجبلية أو الصحراوية، فضلًا عن مخاطر تعطُّل السيَّارات والشاحنات وانقطاعهم عن العالم بسبب غياب خدمة الإنترنت.

آثار وأخطار:

إنَّ فتح الطرق الواصلة بين المناطق الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي وتلك التابعة للحكومة الشرعية كما أنَّها ذات آثار إيجابية إلَّا أنَّها تحمل في طيَّاتها العديد مِن المخاطر التي ينبغي أن يتنبَّه لها.

ومِن الآثار الإيجابية لذلك:

– تخفيف معاناة اليمنيين في حركتهم وتنقُّلهم بين المدن والمحافظات والقرى، وسفرهم مِن وإلى الخارج، بعد سنوات مِن المعاناة والحصاد المرير.

– تعزيز وتسهيل حركة النقل والتجارة بين المدن والمحافظات اليمنية، وهذا سينعكس بالضرورة على الأسعار ووفرة البضائع والسلع.

– القضاء على ظاهرة التقطُّع ونقاط الابتزاز والمخاطر الأمنية التي شهدتها الفترة الماضية.

أمَّا المخاطر التي يمكن أن تنشأ عن فتح الطرقات فهي:

– مضاعفة التهديدات الأمنية على المناطق المستهدفة مِن قبل جماعة الحوثي، خصوصًا تعز ومأرب، باعتبارهما هدفين للجماعة.

– إنقاذ جماعة الحوثي على المستوى الاقتصادي، إذ لا تزال الجماعة تدير الملف الاقتصادي بما يخدم مصالحها ومكاسبها، ومِن ثمَّ فهي تسعى لحلِّ التحدِّيات والمشاكل التي تواجهها، خصوصًا في ظلِّ سياسات الحكومة الشرعية وقرارات البنك المركزي بعدن.

– إبقاء التهديد العسكري على تعز ومأرب في مستوى مرتفع، خصوصًا أنَّ هناك جيوبًا موالية للجماعة واختراقات تحقِّقها الجماعة في صفوف المحسوبين على مناطق الشرعية، في حين لا تزال الجماعة تتبنَّى الهجمات المسلَّحة ضدَّ تعز ومأرب والقيادات العسكرية والأمنية والقبلية بها.

وعليه، حتَّى وإن كان المواطن العادي مستفيدًا مِن فتح الطرق المقطوعة منذ قرابة 10 سنوات فإنَّ الطرف المستفيد مِن فتح الطرق، في ظلِّ اختلال الموازين والتخادم الإقليمي والدولي مع جماعة الحوثي، هي جماعة الحوثي التي لا يجري إخضاعها لمبدأ الحلول السلمية التي يجري صياغتها في اتِّفاقيَّات مفرغة مِن أيِّ ضمانات للأطراف الوطنية المقابلة. هذه الممارسات التي رصدها اليمنيُّون منذ خروج جماعة الحوثي متمرِّدة مِن صعدة إلى محطيها، ثمَّ إلى عمران، وانتهاء باقتحامها صنعاء في 21 سبتمبر 2014م، وقيامها بانقلاب على الحكومة الشرعية، واحتفظوا بها في ذاكرتهم الجمعية، هي ما تبقيهم في حالة الحذر والتشكُّك مِن التطمينات التي تقدِّمها الأطراف الإقليمية والدولية الراعية لمفاوضات السلام، لأنَّ المكاسب بالضرورة ستصبُّ لصالح الجماعة كما هي في كلِّ محطَّة اتِّفاق.

الأبعاد الدولية وعملية السلام:

لم تكن جماعة الحوثي خلال السنوات الماضية معنيَّة بالسلام على المستوى المحلِّي، فهي تبني شرعيَّتها وتعزِّز سطوتها في ظلِّ حالة الصراع، إذ تعني العودة إلى المسار الديمقراطي عقب التسوية السياسية إلى سحب ورقة الشرعية والقوَّة المسلَّحة بيدها، وهي شرعية وقوَّة تقوم على أساس مذهبي ونظرية “ثيوقراطية” في الحكم. وأيُّ حديث عن ربط فتح الطرق برغبة الجماعة في المضي قدمًا نحو عمليَّة السلام يصطدم بتعنُّتها المستمرِّ في تحقيق أيِّ تقدُّم بهذا الاتِّجاه. مِن ثمَّ فإنَّ فتح الطرقات يأتي في ضوء حسابات دقيقة للجماعة -داخلية وإقليمية ودولية، خصوصًا مع انخراط الجماعة في عمليَّات عسكرية ضدَّ السفن الإسرائيلية أو ذات الصلة بها، كإسهام في الضغط على إسرائيل لإيقاف عدوانها على غزَّة، ضمن اشتراك الجماعات المسلَّحة المحسوبة على إيران في المنطقة (العراق- سوريا- لبنان) في الحرب الدائرة في المنطقة. وبغض النظر عن مدى جدِّية هذا الانخراط وأهدافها المتعلِّقة بالفعل بنصرة غزَّة، إلَّا أنَّ حسابات الجماعة تنطلق مِن تناغم وانسجام مع إيران والمحور التابع لها في المنطقة، وهو محور ينحاز في ظلِّ الاستقطابات الحادة التي يشهدها العالم مؤخَّرًا نحو معسكر (روسيا- الصين) الشرقي. وهذا يفرض قراءة الحدث وتصاعد الهجمات التي تقوم بها الجماعة في البحر الأحمر، ومضيق باب المندب، وخليج عدن، وبحر العرب، وعلى مستوى الأراضي المحتلَّة وموانئ إسرائيل في البحر الأبيض المتوسِّط، في ظلِّ التعقيد الذي يحكم المشهد الإقليمي والدولي.

وإذا كانت غزَّة قد قدَّمت نموذجًا للإزعاج الذي قد تشكِّله الحركات الإسلامية في المنطقة متى ما أتيح لها امتلاك السلاح فإنَّ سياسة الولايات المتَّحدة الأمريكية وبريطانيا ستعزِّز مِن سيطرة ونفوذ الأقليَّات والمليشيَّات والأحزاب العلمانية والنخب الفاسدة على المشهد في المنطقة مهما كلَّف الأمر. وهذا ما جرى انتهاجه منذ عام 2013م، مِن قبل الأنظمة العربية الموالية للغرب، وهي تدعم الثورات المضادَّة على مستوى دول الربيع العربي. وبات مِن الضروري إغلاق أيُّ بؤرة يمكن أن تشكِّل خطرًا على مصالح القوى الغربية ونفوذها في المنطقة.

وفي حين تعمل جماعة الحوثي على تحسين صورتها بمهاجمتها ضدَّ إسرائيل ومصالحها تسعى لتعزيز موقع تفاوضها السياسي مع المجتمع الدولي والإقليمي والمحلِّي، خصوصًا وأنَّها يمكن أن تعمل كطرف “مقاول” لصالح عدَّة أطراف في اليمن، في سبيل هيمنتها على اليمن وبقائها في السلطة. وهو ما تقرأه الجماعة في ثنايا سياسة الإقليم والمجتمع الدولي المتواطئ ضدَّ عودة اليمن إلى حالة الاستقرار والاستقلال والسيادة تحت حكم جمهوري ونظام ديمقراطي نزيه.

التوصيات:

تعدُّ اليمن ساحة مِن ساحات الصراعات الإقليمية والدولية، وباتت هناك عدَّة أطراف تابعة ومرتهنة للقوى الإقليمية والدولية، بما في ذلك جماعة الحوثي التابعة لإيران (المحسوبة على المعسكر الشرقي)، ولا يمكن قراءة ما يجري فيها بعيدًا عن هذه الحقيقة القائمة. وعليه ينبغي ما يلي:

  • قراءة هذا التوجُّه مِن قبل الحوثيين باعتبارهم قوَّة منخرطة في حالة الاشتباك الإقليمي والدولي لصالح أجنداتها الخاصَّة، وبالتالي فينبغي الحذر مِن أيِّ مؤامرة قد تدار على القوى الوطنية والحكومة الشرعية للقضاء على آخر ما تبقَّى مِن مناطقها في الشمال.
  • ضرورة أخذ الاحتياطات والإجراءات المناسبة في محافظتي تعز ومأرب باعتبارهما لا تزال هدفًا لقوى محلِّية وإقليمية ودولية.
  • مضاعفة الجهود الأمنية والعسكرية، وبناء التحصِّينات اللازمة للحفاظ على الجغرافيا المحرَّرة مِن أن يتمَّ انتزاعها بعمل عسكري خاطف.
  • معالجة الأخطاء والسلبيَّات التي وقعت فيها الحكومة الشرعية تجاه الجنود المنتسبين لقطاعات الجيش والأمن، والجرحى والمصابين مِنهم، والأسرى والمختطفين، وأسر الشهداء، بما يحافظ على انتمائها وولائها للشرعية.
  • بناء تحالفات مختلفة بتعز ومأرب، مِن كافَّة القوى الاجتماعية والمدنية والدينية، لإسناد رجال الأمن والجيش وحالة التأهُّب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى