آخر الأخبارأخبارإصداراتتقارير

اليمن.. حقوق الإنسان في مهب الريح

الباحث/ محمد الأحمدي

شهدت الساحة اليمنية منذ سبتمبر 2014 حتى سبتمبر 2019، هدراً غير مسبوق للحقوق الأساسية، وفي مقدمها الحق في الحياة، حيث يحصد العنف أرواح اليمنيين بشتى الوسائل وعلى يد أكثر من طرف، مع تفشي سياسات القتل العشوائي بصوة غير مسبوقة، في الوقت الذي تبرز معه ظاهرة التوظيف السياسي لملف الإرهاب في سياق التبرير للانقلابات شمالا وجنوبا وقمع الخصوم السياسيين، في ظل انعدام أي آليات تحقيق أو نظام عدالة محايد ومستقل.

كما يشهد اليمن زيادة كبيرة في وتيرة قمع الحريات السياسية والمدنية، والاختطافات والاعتقالات التعسفية والإخفاء القسري والتعذيب للناشطين السياسيين والصحافيين وتكميم الأفواه، ووصل الأمر كما سبقت الإشارة إليه، إلى اتخاذ المختطفين دروعاً بشرية في مواجهة هجمات طيران التحالف العربي، وهذه سابقة خطيرة في تأريخ الصراع السياسي في اليمن وفي سجل انتهاكات حقوق الانسان.

لم تكن حالة حقوق الانسان في اليمن في وضع مثالي، غير أن البلد شهد انفتاحا نسبيا في أعقاب الربيع، قضى عليه الانقلاب الذي مثل انتكاسة كبيرة في المشهد اليمني برمته، ووصفه كثيرون بأنه “يوم النكبة”، حيث نجح المتمردون الحوثيون في اختطاف الدولة، بالتحالف مع صالح وتواطؤ معظم وحدات الأمن والجيش، ومن ثم إحكام السيطرة على سلاح الجيش ومقدرات الدولة، وعمدت جماعة الحوثيين وقوات صالح إلى عسكرة كل مظاهر الحياة، وشنوا حروبهم على فرقاء العمل السياسي والمناهضين للانقلاب، وعلى الحريات السياسية والمدنية وعلى الحريات الصحافية ووسائل الإعلام، ما أدى إلى تفاقم الحالة الإنسانية، وتحول البلد إلى ساحة صراع إقليمي مفتوحة.

يسلط هذا التقرير الضوء على حالة حقوق الإنسان في اليمن خلال خمس سنوات من الانقلاب على السلطة المعترف بشرعيتها، ويستند أساسا إلى تقارير وبيانات ومعلومات صادرة عن منظمات حقوقية تابعة للأمم المتحدة وأخرى عن منظمات غير حكومية، بالإضافة إلى وسائل الإعلام.

القمع السياسي

فرضت جماعة الحوثيين منذ سيطرتها على العاصمة صنعاء واقعاً جديداً، يتسم بالقمع، اضطرت بموجبه المكونات والأحزاب السياسية تحت فوهات البنادق، على التوقيع بتأريخ 21 سبتمبر 2014، على اتفاق “السلم والشراكة”، برعاية المبعوث الأممي السابق إلى اليمن جمال بنعمر، ينص على تشكيل حكومة كفاءات جديدة، ووقف النار ورفع معسكرات الاعتصام من صنعاء ومحيطها، بينما اعتبر الاتفاق مجرد تكتيك سياسي للحوثيين لشرعنة الانقلاب، وتكريس لسلوك العنف وصولاً لغايات سياسية، وجاء قبول الأطراف السياسية والسلطة الشرعية في البلاد به منعاً لمزيد من الاحتراب، بينما لم يتقيد به الحوثيون وحلفاؤهم، خصوصاً ما يتعلق بإنهاء اعتصاماتهم في مناطق بالعاصمة وسحب قواتهم منها, وإعادة السلاح الذي نهبوه من معسكرات الجيش.

غير أن جماعة الحوثي لم تتوقف عن سلوكها العنيف تجاه القوى والمكونات السياسية، فاقتحمت مقرات حزب الإصلاح ومؤسسات العمل الخيري والإغاثي والمساجد، واختطفت مئات الناشطين السياسيين والاعلاميين، مشحونة بخطاب تحريضي ضد خصومها السياسيين باعتبارهم “دواعش” و”تكفيريين”، حسب تعبيرها، بالتزامن مع اغتيالات سياسية غامضة، طالت شخصيات محسوبة على الحوثيين، وهجمات “انتحارية” متفرقة، طالت مئات المدنيين، أعلن مسؤوليته عنها تنظيم “الدولة الإسلامية” فرع اليمن، الذي لم يكن معروفاً وجوده في اليمن من قبل.

الأرقام تتحدث

التحالف اليمني لرصد انتهاكات حقوق الإنسان، في تقريره العام لحالة حقوق الإنسان في اليمن خلال أربع سنوات وثق مقتل وإصابة 35026 مدنياً، بينهم نساء وأطفال ومسنين، خلال الفترة من 21 سبتمبر 2014 وحتى 31 ديسمبر 2018م

وأوضح أن عدد القتلى 11267 مدنيا وإصابة 23759 آخرين بالقصف العشـوائي والقنص والرصـاص والهجمات الأخرى، والألغام التي زرعتها المليشيا الحوثية الانقلابية.. لافتاً الى أن المليشيا الحوثية تصدرت القائمة بقتل 9016 وجرح وإعاقة أكثر مـن22187 آخرين في مختلف المحافظات.

من جهتها، قالت المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، أخيرا، إنها وثقت في الفترة ما بين 26 مارس 2015 و6  نوفمبر 2018، ما مجموعه 17640 ضحية مدنية في اليمن، بما في ذلك 8726 قتيلاً و 10768 جريحًا. غالبية هذه الإصابات (10852) نتجت عن الغارات الجوية التي قام بها التحالف بقيادة السعودية.

قتل المتظاهرين والاغتيالات السياسية

شهدت العديد من المدن اليمنية احتجاجات واسعة مناهضة للحوثيين منذ يناير 2015، تطالب بخروجهم من المدن ومن مؤسسات الدولة، غير أنها قوبلت بقمع مفرط وممنهج، من قبل مليشيا الحوثي وقوات موالية للرئيس السابق علي صالح، مستخدمة الذخيرة الحية والقنابل المسيلة للدموع، كما اختطفت متظاهرين وأساءت معاملتهم، ووصلت بعض حالات التعذيب للمختطفين حد الوفاة تحت التعذيب.

ففي مدينة تعز، على سبيل المثال، شنت قوات الأمن الخاصة (الأمن المركزي سابقاً)، الموالية للحوثيين، هجوما بالذخيرة الحية على محتجين سلميين، استمرت عمليات القمع لأربعة أيام متتالية، بدءاً من يوم 22 مارس 2015، ما أسفر عن قتل ما لا يقل عن ثمانية محتجين وإصابة ما لا يقل عن 30 آخرين، وأسعف ما يربو على 279 جريحاً من المتظاهرين بسبب استنشاقهم الغاز المسيل للدموع. وقد اعتبرت منظمة العفو الدولية بأن استهداف المتظاهرين السلميين على هذا النحو، يوضح الازدراء الصادم للحياة الإنسانية، بينما تنزلق البلاد في الفوضى.

وفي مدينة إب (وسط اليمن)، هاجمت جماعة “الحوثيين” المسلحة، بمشاركة عناصر يرتدون زي قوات الأمن الخاصة (الأمن المركزي سابقاً)، المتظاهرين السلميين بإطلاق الرصاص الحي ضدهم أكثر من مرة، ما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى.

وفي مدينة البيضاء، قتل 3 متظاهرين وأصيب 15 آخرين بتأريخ 12 مارس 2015، في هجوم بالرصاص الحي نفذه الحوثيون على محتجين خرجوا في مدينة البيضاء جنوب شرقي اليمن رفضا لـ” الانقلاب الحوثي”.

ساهمت عمليات القمع التي مارستها قوات الحوثيين وصالح ضد المحتجين السلميين في إذكاء عوامل العنف المسلح في البلاد، وأغلقت أمام اليمنيين أي أدوات للنضال السلمي في مواجهة اختطاف الدولة.

دروع بشرية

في سابقة أكثر خطورة، اختطفت مليشيات الحوثيين ناشطين ومعارضين سياسيين، وقامت بنقلهم إلى مراكز اعتقال سرية غير قانونية، من قبيل معسكرات تابعة للجيش، حيث اتخذتهم دروعاً بشرية، فعلى سبيل المثال، في تأريخ 15 أبريل 2015، اختطفت مليشيات الحوثي والقوات الموالية لصالح القيادي الإصلاحي بمحافظة إب القيادي أمين الرجوي بعد استدراجه الى مبنى إدارة أمن المحافظة واقتادته إلى جهة مجهولة بتاريخ 3 أبريل 2015، حيث أخفي قسرياً منذ تلك اللحظة.

وإثر جهود مضنية بذلتها أسرته لمعرفة مكانه ومصيره، تمكنت بتأريخ 31 مايو 2015 من العثور على جثته مشوهة وعليها آثار حروق وكسور بمستشفى ذمار العام، تعرفت عليه بواسطة أبنائه، الذين كشفوا عن احتمال تعرضه للتعذيب قبل اتخاذه مع مختطفين آخرين دروعاً بشرية في موقع جبل هران العسكري الذي استهدفته طائرات التحالف أكثر من مرة، آخرها الهجوم الذي أودى بحياة عشرات المختطفين بتأريخ 21 مايو 2015، بينهم الناشط السياسي الرجوي واثنين صحافيين مختطفين؛ هما: عبد الله قابيل مراسل التلفزيون اليمني “يمن شباب”، ويوسف العيزري مراسل تلفزيون “سهيل”، كانت مليشيات الحوثي والقوات الموالية لها اختطفتهما يوم الأربعاء 20 أيار/مايو أثناء عودتهما من تغطية مهرجان لرجال قبائل مناوئين للحوثيين. وقد طالب الاتحاد الدولي للصحافيين الأمم المتحدة بالتحقيق في مقتلهما.

ألغام الحوثيين

ووفقا لـ “هيومن رايتس ووتش”، فإن استخدام قوات الحوثيين الواسع للألغام الأرضية على طول الساحل الغربي لليمن منذ منتصف 2017 قتل وجرح مئات المدنيين ومنع منظمات الإغاثة من الوصول إلى المجتمعات الضعيفة.

وقالت المنظمة إن الألغام الأرضية المزروعة في الأراضي الزراعية والقرى والآبار والطرق قتلت 140 مدنيا على الأقل، من بينهم 19 طفلا، في محافظتي الحديدة وتعز منذ 2018، وفقا لـ موقع “مشروع رصد الأثر المدني”، وهو مصدر بيانات إنسانية. ومنعت الألغام الأرضية والأجهزة المتفجرة اليدوية الصنع المنظمات الإنسانية من الوصول إلى السكان المحتاجين، وأدت إلى منع الوصول إلى المزارع وآبار المياه، وألحقت الأذى بالمدنيين الذين يحاولون العودة إلى ديارهم.

وأفاد “المركز اليمني التنفيذي لمكافحة الألغام”، أن الجيش اليمني أزال 300 ألف لغم في جميع أنحاء البلاد بين 2016 و2018. ووثقت هيومن رايتس ووتش سابقا استخدام الحوثيين للألغام الأرضية المضادة للأفراد والمضادة للمركبات بين 2015 و2018 في محافظات أبين وعدن ولحج ومأرب وتعز.

الاختطافات

رصدت تقارير حقوقية اختطاف الآلاف من حالات الاختطاف على مدى خمس سنوات، فقد ســجل اختطــاف واعتقــال واحتجــاز مليشيا الحوثي لنحو 16565 مدنيا، من بينهم 368 طفلا و 98 امــرأة و385 مســنا، ومن بين هؤلاء المختطفين 3544 حالة مخفي قسرياً في اليمن خلال الفترة من سبتمبر 2014م وحتى ديسمبر 2018م في عدد من المحافظات، تحتل محافظة صنعاء المركز الأول كأعلــى نســبة اختفــاء التي سجل فيها 552 مختفـيا، تلتهـا محافظـة الحديـدة بواقـع 536 مختفـيا، ومحافظـة حجـة بواقـع 487 مختفـيا، طبقا للتحالف اليمني لرصد انتهاكات حقوق الانسان (تحالف رصد).

ووفقا للتحالف، فإن من بين المخفيين 64 طفلا و15 امرأة و72 مسنا، ارتكبتها المليشيا الحوثية الانقلابية في محافظات صنعاء والبيضاء والحديدة وتعز وحجة واب منذ انقلابها على السلطة الشرعية منذ سبتمبر 2014.

لقراءة كامل المقالة


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى